الأربعاء 2017/08/09

آخر تحديث: 00:18 (بيروت)

حلف الضرورة.. إلى أين؟

الأربعاء 2017/08/09
حلف الضرورة.. إلى أين؟
حزب الله شريك أساسي في الحرب ضد الارهاب
increase حجم الخط decrease
مع انتهاء الحلقة الأولى من مهرجانات الجرود واقتراب موعد حلقتها الثانية، وبينما يجدّ الجيش في استكمال استعداداته لمعركة أعالي راس بعلبك والقاع، وقد دخل مرحلة الاستطلاع بالنار، يظهر البلد في مزاج جديد، مُنتقلاً من مُربّع رسا فيه طويلاً الى مربع آخر بعيد ومُختلِف ويُنذر بمفاجآت.

القوى المعترضة على كلّ دور يُؤدِّيه حزب الله، خارج لبنان كان أم داخله، حتى لو كان تحرير أرض لبنانية ُيستبيحها مسلحون غرباء ويُصدِّرون منها المُفخخات والإنتحاريين، وجدت نفسها في زاوية ضيِّقة تُخاطب صدى كلامها. لقد دأبت على انتقاد الحزب وضاعفت انتقاداتها له على خلفية معاركه الأخيرة في جرود أعالي عرسال، لكنّها ظهرت في المُحصّلة العملية وكأنّها تحارب طواحين الهواء بسيف من ورق.

فالحزب الذي ما انفكّت تشكك بدوره وبشرعية مسلكيته، "حقق شرعية إقليمية، وشرعية سورية وإيرانية وروسية"، حسب جريدة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، وكذلك "شرعية محلية داخلية في لبنان، من جانب طوائف مختلفة"، والكلام دائماً للجريدة. وهو أطلّ على التشدد الأميركي-الأوروبي ضدّه، في شخصية الجانب الذي يقاتل (وبنجاعة) المنظمات الإرهابية التي تهدد لبنان وتهدد الغرب والمجتمعات البشرية في كل مكان. وحتى على المستوى المحلّي الصرف، فقد ظهر الحزب رديفاً حيوياً وضرورياً للدولة وللجيش اللبنانيين. فالدولة لم تكن هي مَن شنّ معركة جرود عرسال، لكنها، ومن موقع شرعيتها الدستورية، كانت هي الجهة التي اعلنت وقف النار، والتي فاوضت ورفضت شروطاً وفرضت غيرها، والتي رعت التنفيذ والتي أخرجت مسلحي النصرة من البلد... وكل ذلك بإرادة الحزب.

لقاء ذلك وبموجبه فالمواقف المحلّية المتوترة ضد حزب الله باتت مثابة ثقل إضافي على كاهل أصحابها أنفسهم، من دون أن تكون جديرة بإلحاق أيّ ضرر بالخصم المُستهدّف. والإنتقادات التخوينية التي يوجّهها بعض أصحاب الرؤوس الحامية في الطرف المناهض للحزب، وبخاصة في المستقبل والقوّات اللبنانية، باتت اليوم نوعاً من الرُّكام الذي لا حياة فيه ولا وزن له ولا فاعلية، ليس لإن الحزب و"جبهته" المحلية لم يباليا بالمعارضين ولا كبحا حراكهما المتواصل فحسب، بل أيضاً لأن الموقف الرسمي اللبناني جاء ليصُبّ في مصلحة الحزب، سواء أكان من خلال ما أدلى به رئيس الجمهورية في كلمته في عيد الجيش، إذ جاء بغطاء سياسي دولتيّ واسع وقوي للحزب وللإنتصار الذي حققه، أو في تصريح رئيس الحكومة الذي امتدح ما حققته عملية الحزب في الجرود، مُشيراً الى أن "الصيغة التي جرى التوصل إليها شكّلت إنجازاً كبيراً وكانت الحل المناسب جداً للدولة اللبنانية".

وفي المحصّلة النهائية، فقد أثمرت معركة الحزب وتثميره نتائجها لمصالح الدولة والجيش، واقع حفظ ماء وجه الحكومة ومعها المؤسسات الرسمية، كما أتاحت للجيش فرصة ذهبية (هو بحاجة إليها) للعمل على ترقية اعتباره ورفع معنوياته وتثبيت صورته كما ينبغي لها أن تكون.

وذلك كلّه جرى تحت عين الرضا الأميركية مباشرةً. فالمعلوم أن ثمّة قوّات أميركية خاصة موجودة في البلد منذ زمن، وتُؤدّي مهمات شتّى، أبرزها ما يتصل بتدريب الجيش وتحديد حاجاته الميدانية من أنواع الأسلحة المجدية في ضرب الإرهاب، لتزويده بها. ولا يعتبر سرّاً نشاط الطائرات الأميركية في مطار رياق العسكري في هذا السياق، والحديث المتصاعد عن إمكانية مشاركة الطيران الحربي الأميركي في تدمير تحصينات داعش في الجرود لمصلحة الجيش، تماماً كما كان للطيران السوري دور مهم في تدمير تحصنات النصرة في جرود فليطا لتسهيل عمل مقاتلي حزب الله. هذا مع الإشارة إلى أن لبنان عضو في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب. ومن يظن أن معركة جرود عرسال كانت خارج الرضا والدعم الأميركيين، يكون تجسيداً حيّاً لما قصده المثل: مثل الأطرش بالزفّة.

هكذا بات يمكن ملاحظة "حلف الضرورة" الذي يقوم من دون ضوضاء، بين المتخاصمين أساساً، أعني أميركا وحزب الله والجيشين اللبناني والسوري. وهو تحالف أقوى وأمتن ولا شك من الجسور التي يُقال إن القوى المحلية المناهضة للحزب ومحوره، قد أقامتها مع الأميركي.

وفي هذا السياق يمكن ملاحظة أن قيادة القوّات اللبنانية تأمل من تأييدها المتواصل للدور الأميركي، أن تحوز الرضا والتأييد والتحصين داخلياً أمام جبهة أخصامها. والمعنى أنها أكثر استفادة من أميركا من جرّاء تعاونها معها. أما علاقة أميركا المستجدّة بحزب الله فقد فرضتها ضرورات مصلحية وميدانية وتكتيكية أيضاً، في خضمّ المعركة العالمية ضد الإرهاب (الذي ينبغي القضاء عليه هنا في الشرق وعدم فسح المجال أمامه للارتداد على الغرب).

هذا يُفسِّر الإرتياح الكبير الذي أظهره الأمين العام للحزب في خطابه الأخير، ويضع لُبنات أساسية لدخول الحزب شريكاً أساسياً في الحرب ضد الإرهاب، في لبنان أساساً وفي سوريا والعراق وغيرهما.

هنا، يُصبح موضوع التنسيق التكاملي بين رباعي الجيش اللبناني والمقاومة والجيش السوري والأميركيين، أمراً مفروغاً منه، وسبيلاً أيضاً لتظهير صورة جديدة للمنطقة مختلفة تماماً عن الصورة التي استمرت حتى الأمس القريب.

وعند هذه المحطة، لا بد من الانتباه الى الدور الروسي السائر بخُطى حثيثة للحصول على كامل البّرّكة الأميركية على دوره المتنامي، وموافقة واشنطن على إطلاق يده بالنيابة عنها في سوريا.

ويبقى السؤال المُثير: إلى متى يصمد حلف الضرورة المُشار إليه، وكيف ستنعكس مفاعيله على لبنان والمنطقة؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب