الخميس 2017/08/17

آخر تحديث: 00:44 (بيروت)

القاع على حد السيف

الخميس 2017/08/17
القاع على حد السيف
ينظر في القاع إلى هذه الحوادث كجزء من مخطط لتهجير مسيحييها (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

بين الحدود السورية من الشمال، ورأس بعلبك من الجنوب، الجبل الشرقي الذي يحضن عرسال من الشرق، والهرمل من الغرب، تتمدد بلدة القاع على ارتفاع 675 متراً عن سطح البحر، لتشكل منبسطاً سهلاً، "أفرجت عنه الجبال"، كما يقول الباحث أنيس فريحة عن أصل التسمية، يتميز عن جيرانه بمناخ صحراوي حار جداً صيفاً وبارد مصحوب بعواصف شتاءً.

حرارة المناخ ليست وحدها ما يلهب البلدة ذات الغالبية الكاثوليكية وسط محيط شيعي، إنما فواصل تاريخية مرت بها، منحتها خصوصية سياسية وطائفية وحتى أمنية مستمدة من واقعها الجغرافي، لتظهر كأنها واقفة دائماً على حد السيف في الدفاع "عن الأرض وملكيتها". بالتالي، عن "الوجود".

يبلغ عدد أبناء القاع 20 ألفاً، 15% منهم فقط يسكنونها صيفاً وشتاءً، إلا أن ارتباط "القاعي" بأرضه عابر للمسافات، ومنها يستمد هويته.

قبل أن تدخل الأحزاب القاع، كانت تعيش في إقطاعية زراعية تمثلت بزعامة آل الضاهر وآل بيطار. وفي الثلاثينات، يقال في البلدة، حضرت "الدولة" لتفرز أراضي القاع اسوة بالمناطق الأخرى، إلا أن وريث أحد الاقطاعيتين حينها، نخلة مهنا الضاهر، رفض فرز أراضي عائلته وفضل بقاء الناس في الأراضي التي يزرعونها ليحافظوا على وجودهم في المنطقة، من دون أن يعلم أن ذلك سيشكل واحداً من أبرز المشاكل العقارية التي تعاني منها البلدة حالياً.

في ظل التقاسم العائلي لزعامة القاع، كانت البلدة منقسمة بين محورين سياسيين. فتمسك محور نخلة مهنا الضاهر بعلاقاته الجيدة مع الجوار وتفاعل مع زعاماته وعشائره، في مقابل تشدد محور الياس البيطار في خطابه المسيحي.

بعد وفاة نخلة مهنا، حمل شقيقه إميل الارث، لكنه توفي قبل أن يشتد عود ولديه ليرثاه، تزامناً مع اشتداد الخناق في القاع على الياس البيطار ومعسكره. ما شرد هؤلاء من قريتهم، خصوصاً بعد مجزرة إهدن التي عوقبت عليها القاع بتصفية 15 من شبابها على يد عناصر من الجيش السوري، كما يؤكد شهود، من بينهم أحد أولاد البيطار، لتخلو الساحة حينها من الزعامات العائلية، في مقابل تمدد الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى المنطقة.

ولم يكن اعتداء العام 1978 يتيماً على القاع، بل سبقه هجومان، منهما واحد في العام 1975 سقط خلاله سبعة قتلى. ما جعل القاعي غير مرتاح في محيطه.

في البلدة ينظر إلى هذه الحوادث كجزء من مخطط لتهجير مسيحييها. كما التنازع على الحقوق في مياه الري بين القاع وجاراتها، لاسيما النبي عثمان. ومع أن أبناء القاع مقتنعون بأن التشدد "المسيحي" هو ما يستدرج المشاكل، إلا أنهم اتحدوا مرتين ليدافعوا عن بلدتهم، إلى أن تراجعت امكاناتهم، في العام 1978، فباع عدد من القاعيين عقارات ليسددوا نفقات انتقالهم إلى بيروت.

خلت القاع من الكتائبيين حتى انتهاء الحرب الأهلية، في العام 1990، عندما عاد هؤلاء بخطاب "مسيحي" مشابه، بقي خافتاً حتى خروج الجيش السوري من لبنان في العام 2005. وحينها "تسللت" الأحزاب المسيحية الأخرى إلى القاع. ولأن كان شباب القاع في معظمهم من العسكريين، كان طبيعياً أن تبرز العونية فيها ويرتفع صوتها، لترسي مع الحزب القومي انسجاماً قوياً، خصوصاً بعد توقيع ورقة التفاهم مع حزب الله، في وقت حافظ قواتيو القاع على خطابهم الرافض للذوبان بالمحيط. ما مدد الانقسام التقليدي في البلدة بين محورين، يرتفع صوت أحدهما على الآخر، تبعاً للتكتيك الذي يتبعانه.

في نظرتها إلى المعركة المرتقبة ضد تنظيم داعش، تظهر القاع، التي سبق لها أن تعرضت لهجوم انتحاري، في العام 2016، منقسمة بين محورين أيضاً. فيسلم محور القوات لإمرة الجيش وحده، فيما يتمسك المحور الثاني بثلاثية الجيش والشعب والمقاومة. أما في حال الاعتداء على القاع مباشرة، فيؤكد هؤلاء أنهم يعودون عشيرة واحدة للرد على الصفعة باثنتين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها