عملياً، لا تنطبق صفة النزوح بشكل كامل على المقيمين في هذه التجمعات، بل معظمهم من العمال، الذين اعتادوا التردد على المنطقة في كل موسم زراعي، إلى أن فرضت عليهم ظروف الحرب اصطحاب عائلاتهم لملازمتهم بشكل دائم في المنطقة. بالتالي، صار لهذه العائلات احتياجات تتخطى "القسيمة الغذائية" التي استحصلوا عليها من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. فعمدوا إلى تأمين كفايتهم الذاتية بأنفسهم، من خلال التوسع في الاستثمارات، التي لم تعد مقتصرة على "دكاكين السمانة"، بل شملت توفير كل الحاجات، من المدرسة للأولاد إلى الدراجة النارية للرجال وفستان العرس للصبايا.
على طول الخط بين المعبرين الحدودين، يمكن رصد أعداد المتاجر العشوائية التي نشأت. بعضها تنوعت خدماته بين توفير الفروج مع البراد والغسالة في آن، وبعضها صالون تجميل وورشة ميكانيك، ومتاجر للأدوات المنزلية والألعاب والمكياج والعطورات. حتى مركز المعاينة الطبي صار له دكان إلى جانب محل لتصليح الاطارات، فيما اللافت أعداد أطباء الأسنان الذين بادروا إلى مزاولة مهنتهم وفي الدكاكين أيضاً.
من الناحية القانونية، لا يملك معظم أصحاب هذه المصالح ما يسمح لهم بمزاولة أعمالهم، خصوصاً من يتعاطون منهم الشأن الطبي. إلا أن حالة الفوضى الأبعد من مشكلة النزوح في المنطقة فرضت أمراً واقعاً جديداً يصعب على كثيرين اكتشافه، خصوصاً أن المنطقة محظورة على الصحافيين، الذين لا يسمح لهم كغيرهم من اللبنانيين دخولها إلا بإذن مسبق من قبل مديرية الأمن العام. عليه، يكاد التردد إلى المنطقة يقتصر على أصحاب المشاريع الزراعية الواسعة في مشاريع القاع، والتجار الذين يوفرون للمحال الناشئة بعض احتياجاتها.
بينما كانت المنطقة قبل الأحداث مفتوحة للجميع، وكان للعراسلة فيها استثمارات بسيطة، أمنوا من خلالها احتياجات الامتداد السكني لقريتهم، وقد تحوّل المكان إلى حي سمي بحي العراسلة، جميع بيوته منشأة عن طريق وضع اليد على الأراضي، وهي موضوع ملاحقة قانونية وسياسية من قبل بلدية القاع.
أما مع توسع الوجود السوري في المنطقة، فقد صار حي عرسال أصغر مشاكل البلدية مع المستولين على أرضها في هذه المنطقة، وصار هم البلدية الحرص على عدم تحول هؤلاء إلى أمر واقع دائم على مشارف بلدتها.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها