السبت 2017/02/25

آخر تحديث: 06:51 (بيروت)

اقتصاد غاب في الضاحية

السبت 2017/02/25
اقتصاد غاب في الضاحية
الدولة مستقيلة من أدوارها في الضاحية (عصام قبيسي)
increase حجم الخط decrease

لم يعد الخروج على القانون من سمات المهمّشين في النسيج الاجتماعي للمدينة. هذا ما تقوله شوارع الضاحية اليوم. فعلى كلّ لسان، ثمّة أحاديث عن طبقة جديدة من حديثي النعمة بين أرباب المافيات الكبرى، وشبكات نفوذ أمني وعلاقات حزبيّة تقف خلف كل ما يجري من توسّع في نطاق أعمالها في الضاحية.

الخوّات: أثرياء جدد
ليس الحريق الذي شهدته منطقة صفير، قبل فترة قصيرة، سوى حلقة من الأحداث الأمنية في الضاحية، التي غالباً ما تخرج إلى الإعلام مجردة من أصولها، بينما تنشأ تحت الستار منظومة إقتصاديّة جديدة عنوانها قوّة الشارع والأمر الواقع، والصراع بين أطرافها. يقول ع.ر، وهو من تجّار منطقة الكفاءات القدامى، إنّ مسألة الخوّات بدأت تظهر إلى العلن على مراحل. تفشّت أوّلاً بشكل ظاهر في مناطق الليلكي والمريجة منذ سنوات، وقد استفاد فارضو الخوّات من غياب الدولة والتلطّي خلف العشائر وشبكات نفوذ خاصّة. وهي عوامل سمحت لهم باستباحة المنطقة.

وبدأ أهل الضاحية يسمعون شيئاً فشيئاً عن تزايد نفوذ المجموعات، بالتزامن مع بروز علامات الثراء المادّي على أصحابها، ومعها زادت القدرة على تغطية أعمالهم. وتنامت مع الأموال القدرة على زيادة النفوذ عبر استقطاب مزيد من الشباب تحت عباءة هذا النفوذ المستجد.

لكنّ الجديد أنّ عمل هذه المجموعات توسّع ليطاول، منذ فترة، مناطق مثل الجاموس والكفاءات وصفير وأجزاء من أوتوستراد هادي نصرالله. وبدأ البعض يسمع عن أعمال ابتزاز يتعرّض لها تجّار من هذه المناطق البعيدة نسبيّاً عن نطاق سيطرة تلك العصابات تقليديّاً. وقد سمح هذا التوسّع بمراكمة مزيد من المداخيل لتلك المجموعات بعد دخولها في "أسواق" أكبر وأكثر ملاءمة تجاريّاً.

وبدأ الهمس يخرج عن علاقات هذه الجهات مع مراكز نفوذ حزبي وأمني، وعن ثروات مستجدّة مكّنت أصحابها من تحويل أعمالهم إلى شراكات تجاريّة في بعض الأحيان، كما يقول ع.ر. وقد تحوّلت هذه الأعمال إلى أطر أكثر تنظيماً مع تقسيم الأحياء بين تلك المافيات، التي أصبح لها أسماء وعناوين معروفة.

من ينجو إذاً؟ بحسب ع.ر تمكّن كبار المتموّلين من تجنّب كأس الإبتزاز المر، إذ يملك أغلبهم علاقات وطيدة مع الجهات الحزبيّة والأمنيّة، كما لجأ بعضهم إلى مشاركة أبناء وأقارب "المسؤولين" في بعض الأعمال لتفادي الوقوع تحت سيف الابتزاز. وهو ما يثبت أنّ في إمكان قوى معيّنة السيطرة على تلك الأمور عند وجود مصلحة أو إرادة لذلك.

عصابات مياه
قد يعتقد البعض أنّ انقطاع المياه بشكل شبه دائم والحاجة إلى الصهاريج في معظم مناطق الضاحية يعود إلى التقنين الرسمي فحسب. في الواقع، تعاني الضاحية الجنوبيّة من شح شديد في المياه يفوق الانقطاع الجزئي الذي يظهر صيفاً في المناطق اللبنانيّة المختلفة، مع أنّ شبكة المياه في الضاحية خضعت لورشات تجديد عدّة كان آخرها آب 2016. ومسألة المياه هنا، كما الخوّات، من سمات نفوذ عصابات الأمر الواقع.

يتحدّث ع. الحركة، من منطقة برج البراجنة، بغضب عن قيام بائعي المياه في المنطقة بتركيب مراكز تجميع مياه تشترك في الشبكة العاديّة، وتقوم بسحب المياه بقوّة عبر ماكينات غير شرعيّة تُدعى "الشفّاطات". تؤدّي هذه الطريقة في سحب المياه إلى إنقطاعها عن باقي المشتركين بسبب قوّة السحب، ولاحقاً بسبب استهلاكها بسرعة من المصدر. ثم يقوم أصحاب هذه المراكز ببيعها بشكل منظّم إلى المستهلكين الذين يعانون من انقطاع المياه بسبب هذه الأفعال.

يقول الحركة إنّ "هناك ثروات يجري تكديسها من مياه الدولة التي تبيعها هذه الصهاريج. نحن ندفع الاشتراك للدولة ثم ندفع ثمن ماء الدولة مرّة جديدة لأصحاب الصهاريج".

مناطق نفوذ اقتصاديّة
يسيطر على الضاحية الجنوبيّة أكثر من مئة موزّع اشتراكات كهربائيّة، يتقاسمون مناطق نفوذ محدّدة بعناية منذ زمن طويل. وتتلوّن طبيعة الجهات التي تملك زمام السيطرة بحسب طبيعة المنطقة.

يتقاسم السيطرة في منطقتي حارة حريك وبئر العبد مثلاً مجموعة من موزّعي الاشتراكات المقرّبين من حزب الله، بحسب رامي س.، أحد سكّان المنطقة منذ التسعينات. لكنّ الأمر لا يخلو من معارك عنوانها السيطرة، يفوز بها الأكثر قرباً من مواقع النفوذ الحزبي والبلدي.

فمنذ فترة مثلاً استفاد إبن نائب رئيس إحدى البلديّات في الضاحية من موقع والده لوضع مولّدات في أرض تعود إلى الوقف الماروني. ما أثار إشكالاً بينه وبين مجموعات تزوّد المنطقة نفسها بالكهرباء. وقد استدعى الإشكال تدخّل الجيش، ليعود ويخرج خبر آخر في وسائل الإعلام عن إطلاق نار وجرحى في منقطة برج البراجنة على خلفيّة الإشكال نفسه.

يسرد رامي س. كثيراً من القصص. إطلاق نار على بلديّة الغبيري وقطع أسلاك في الرويس وتدخّل بلديّات لإعادة رسم "الحدود" بين الجهات المتخاصمة وغيرها. كلّها حروب صغيرة ترافقها أحاديث عن علاقات أكبر للموزّعين، تراوح بين مراكز أحزاب المنطقة الفاعلة وجهات بلديّة. بينما أصبحت الأحاديث أكثر عن ثروات تعود من هذه الأعمال، خصوصاً مع استثمار عدد كبير من أصحاب المولّدات عوائد أعمالهم في أعمال البناء ومشاريع أُخرى.

نبع أموال
"نحن في إقتصاد غاب"، هكذا يلخّص الوضع مصدر في إحدى بلديّات الضاحية. يشير المصدر إلى أنّ القوى النافذة الرسميّة والحزبيّة لا تتدخّل أمام هذه العصابات، التي أصبحت بحد ذاتها لوبياً مؤثّراً مع مستفيدين كثر من نبع أموال الخوّات واشتراكات الكهرباء والمياه والساتلايت والإنترنت وكل ما تطاله يد هذه الجهات.

لاشك في أنّ هذه المنظومة الإقتصاديّة والاجتماعيّة نشأت من رحم واقع سِمَتهُ استقالة/ إقالة الدولة من أدوارها في الضاحية. والتجربة دلّت على أن في إمكان الدولة التعاطي مع تلك المسائل عند وجود قرار سياسي بذلك.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها