الجمعة 2017/02/10

آخر تحديث: 00:57 (بيروت)

تقنيات لبنانية وعالمية للتلاعب الانتخابي

الجمعة 2017/02/10
تقنيات لبنانية وعالمية للتلاعب الانتخابي
هناك طرق للحد من التلاعب (Getty)
increase حجم الخط decrease

قد يكون قانون غازي كنعان أبرز ما يعرفه اللبنانيون كمثال عن تقنيات التلاعب بالدوائر والمعايير الانتخابية، لتحويل الانتخابات إلى مسرحية معروفة النتائج. وإذا كانت الطبقة السياسية اللبنانية قد فضلت أن تبقي هذه الألاعيب جزءاً طبيعياً ومقبولاً من المشهد الانتخابي، فثمّة تاريخ طويل ونقاشات أطول في علم السياسة عن هذه التقنيات سيئة السمعة وطرق مكافحتها.

بدايات الـ"جيري ماندرينغ"
ظهر مصطلح جيري ماندرينغ Gerrymandering منذ العام 1812 في عالم السياسة ليعني تقنيّات أو أساليب التلاعب بشكل الدوائر الانتخابيّة لمصلحة طرف سياسي، أو من أجل قمع مجموعات ديموغرافيّة محدّدة (دينيّة أو عرقيّة أو طبقيّة أو إثنيّة... إلخ).

في الواقع تم إبتكار هذا المصطلح من إحدى أشهر هذه العمليّات في الولايات المتحدة مطلع القرن التاسع عشر، حين قام جيري حاكم ولاية ماساتشوستس الأميركية بإعادة رسم حدود الولاية انتخابياً لمصلحة حزبه. وقد نتج عن إعادة الرسم هذه إلتواء في خريطة الولاية في إحدى المناطق يشبه شكل السحلية (Salamander). وهو الأمر الذي إستغلّته صحف أميركيّة في كاريكاتور بعنوان "جيري- ماندر"، تظهر فيه سحلية تلتهم خريطة الولاية. واشتهر المصطلح بسرعة بعد حملة الصحف الأميركيّة على الحاكم، الذي خسر انتخابات حاكم الولاية تلك السنة بفارق كبير.

تقنيات الجيري ماندرينغ
لطالما عملت الأبحاث على تحديد التقنيّات التي يستخدمها المتلاعبون لتحقيق أهدافهم الانتخابية. وقد صنفت هذه الأساليب ضمن أربع فئات:

التكسير Cracking: وتقوم على تشتيت أصوات الناخبين من فئة معيّنة على دوائر انتخابيّة عدّة بشكل مقصود ومنظّم، وذلك بهدف منعهم من تشكيل أكثرية في أي دائرة انتخابية. وقد يكون قانون غازي كنعان (المطبق في انتخابات عامي 2000 و2005) من القوانين التي اعتمدت هذه التقنية في بيروت لتشتيت أصوات المسيحيين، الذين كانوا يعارضون الوصاية السورية في ذلك الوقت. فوزعوا على ثلاث دوائر. واحدة ضمت الأشرفية مع المزرعة، وأخرى ضمت الرميل مع المصيطبة والباشورة (من دون وجود أي رابط جغرافي بين الرميل والأحياء الأخرى)، بينما تم ضم الدوائر الأخرى إلى رأس بيروت وزقاق البلاط.

الخطف Kidnapping: وتقوم على دمج مناطق معيّنة مع دوائر أكبر لمنعها من تشكيل قوة ضغط حقيقية. وفي الحالة اللبنانية، أعتمدت هذه التقنية أيام الوصاية السورية أيضاً، سواء عبر ضم جزين وصيدا إلى أقضية محافظتي الجنوب والنبطية في دائرة واحدة بخلاف الدوائر الانتخابية الأخرى، أو عبر ضم قضاء بعبدا إلى عاليه، وكذلك في طرق تحديد دوائر الشمال.

الرزم Packing: وتقوم على عزل الناخبين من توجهات محددة في دوائر معينة لمنعهم من التأثير في الدوائر الأخرى. تقوم بهذه التقنية إجمالاً الفئات المسيطرة حين تريد منع أقليات معينة من التأثير بالتوازنات الانتخابية في دوائر أخرى أكبر. ومن الأمثلة اللبنانية، مطالبة عدد من السياسيين بعد انتخابات المتن الفرعية في العام 2007 بفصل برج حمود انتخابياً عن المتن، كردّة فعل على خسارة أمين الجميل بفارق بسيط في ظل تحالف الأقلية الأرمنية مع التيار العوني في القضاء.

السطو Hijacking: وتقوم على تحديد دائرة لفرض منافسة بين فريقين داخل هذه الدائرة على المقعد المخصص لها. ما يمنع وصولهما معاً أو تأثيرهما في دوائر أكبر أو أكثر أهمية.

تاريخ من التلاعب
لم يكن اللبنانيون أوّل ولا آخر من اكتشف أن التلاعب في شكل الدوائر وحجمها يمكن أن يفضي إلى نتائج انتخابية محسومة، كما لم نكن أوّل من استعمل "النظام المختلط" لهذه الغاية. وفي أشهر حالات التلاعب بالدوائر الانتخابية، قامت اليونان قبيل انتخابات العام 1956 بإعادة توزيع الدوائر الانتخابية بشكل استنسابي بين دوائر صغيرة وكبيرة، واعتمدت النظام النسبي لبعض الدوائر بينما اعتمد النظام الأكثري لدوائر أخرى.

كان التقسيم اليوناني يضع المناطق التي تنتخب أغلبية ناخبيها لليمين ضمن دوائر صغيرة بنظام أكثري، بما يسمح لليمين بالفوز بكل المقاعد. أما المناطق التي تنتخب أغلبيتها ضد اليمين فقد تم ضمها في دوائر كبيرة بنظام نسبي للسماح لليمين بالفوز بحصة من المقاعد تتناسب مع نسبة أصواته.

في نموذج أحدث، في العام 2010، تمكنت المعارضة الفنزولية من الحصول على 52% من أصوات المقترعين، بينما لم ينل حزب الموالاة أكثر من 48% منها. لكن تعديلاً خاصاً سبق الانتخابات لشكل الدوائر الانتخابية سمح للموالاة بالحصول على 60% من مقاعد الجمعية العامة (البرلمان).

وفي ماليزيا تمكن اليمين (حزب الجبهة الوطنية) من فرض تعديلات على الدوائر الانتخابية قبيل انتخابات في العام 2013. ما مكنه من انتزاع 60% من مقاعد البرلمان بأقل من 47% من أصوات المقترعين.

الحد من التلاعب بالدوائر
ثمّة دراسات عديدة استنتجت أن اعتماد الدوائر الكبرى بأنظمة نسبية يسمح بتجاوز مسألة تحديد الدوائر بحسب المصالح السياسية. إذ إنها تحد من حجم "الأصوات الضائعة"، وهي الأصوات التي تُترجم عملياً بأي تمثيل في المقاعد الفائزة.

وتصبح القوانين الانتخابية أكثر مجالاً للتلاعب كلما تم تصغير الدوائر أو تم العمل بأنظمة أكثرية. علماً أن أنظمة، منها ما هو معتمد في هولندا وإسرائيل، اعتمدت الدائرة الواحدة مع النسبية لمنع هذا النوع من الإستفادة الحزبية في تحديد الدوائر بشكل جذري ونهائي. وهناك دول أخرى اعتمدت فكرة تأسيس هيئات مستقلة عن البرلمان لتحديد الدوائر الانتخابية، مثل بريطانيا وأستراليا، ووضع شروط صعبة لتغيير القوانين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها