الجمعة 2017/11/24

آخر تحديث: 00:37 (بيروت)

حين يربح الحريري ويخسر محوره

الجمعة 2017/11/24
حين يربح الحريري ويخسر محوره
منذ دخول الحريري في التسوية الرئاسية يعتبر نفسه منتصراً (عزيز طاهر)
increase حجم الخط decrease
لا يمكن التغاضي عن المشهد الجماهيري الحاشد الذي لاقى الرئيس سعد الحريري في بيت الوسط. أكثر من رسالة وتعليق وإشارة يمكن التقاطها من هذا اللقاء، ومما أراد الحريري إيصاله. منذ دخوله في التسوية الرئاسية، كان الحريري يعتبر نفسه منتصراً، لأنه انتهج براغماتية سياسية، ألقى عن كاهله كل الطروحات غير القابلة للتحقق، وعمل بما هو متاح في السياسة، لأجل تحقيق ما يصبو إليه. هو الذي يعتبر أن المبادرة تجعلك تكسب، وهو الذي يعتبر أن الرجل السياسي لا يمكنه الوقوف متفرجاً أمام العقد المحلية والخارجية، بل يجب عليه السعي لأجل حلحلة هذه العقد، أو على الأقل تخطيها. ولذلك يعتبر أنه استطاع تحقيق كثير منذ إبرام التسوية الرئاسية. والابرز في هذا الاطار تحويل أعدائه إلى حلفاء أو أصدقاء؛ وتحول استمراره في السلطة إلى مطلب لهؤلاء الخصوم.

لطالما كان الحريري يكرر في مجالسه، جملة تعدّ من ضروب الخيال، أو من ضروب المثالية غير القابلة للتحقيق في بلد كلبنان. وهي: "أن يصبح اللبنانيون يتخذون قرارات تهم بلدهم أولاً ولا تكون عبارة عن املاءات خارجية". ليست هذه الجملة تفصيلاً، إذا ما قورنت بما فعله الحريري منذ عودته إلى لبنان، وتريثه (تراجعه) عن الاستقالة. وفي لقاء بيت الوسط الشعبي، أوصل الحريري الرسائل التي يريد إيصالها، إنطلاقاً من هذه الجملة، إذ اعتبر أن الشعار الوحيد الذي يرفعه هو شعار لبنان أولاً.

ما يقصده في شعار لبنان أولاً، ربطاً بخياره السياسي وتحركاته، هو إيصال رسالة أساسية إلى أنه حريص على العلاقة بالسعودية، وعلى المصالح السعودية في لبنان والمنطقة، ولكن لبنان أهم بالنسبة إليه. ولم يخل التحرّك من رسائل كثيرة وجهها الحريري إلى السعوديين، أو على الأقل إلى أجنحة لديهم كانت تراهن على شخصيات لبنانية غيره، لقلب المعادلة في لبنان. رسالته الأبلغ كانت من خلال هذا الحشد الجماهيري، الذي قال إنه الزعيم السني الأول في لبنان، لقطع الطريق على التفكير في أي زعيم آخر. وهذا ما قصد الحريري قوله في عبارة: "من لديه عيون ليرى فلير، ومن له أذنان تسمعان فليسمع".

لا يمكن إغفال أن الحريري قصد إرسال رسائل إلى السعودية كذلك، أولاً بان طريقة التصرف معه لم تكن ملائمة، وهو ما أراد قوله من خلال المحتشدين، بأنه حتى لو لم تكن السعودية راضية على أدائه، إلا أن ذلك لا يسحب البساط من تحت قدميه. أما عبارته "الحمد الله على سلامة لبنان"، فكانت أبلغ رسالة قصد من خلالها الإيحاء إلى ما كان يمكن أن يحصل لو استمرّت الأمور في التدهور.

ذهب كثيرون إلى حدّ الاعتقاد أن الحريري، أراد الإنقلاب على السعودية، سواء أكان في خطوته التراجعية، أم في الرسائل التي أوصلها من بيت الوسط. فيما اعتبر آخرون أن الخطوة كانت منسقة مع المملكة، وأراد إيصال الرسائل إلى الطامحين، وغير الأوفياء. ولكن مهما كان الاختلاف مع السعودية، إلا أنه لا يمكن الاعتقاد بأن الحريري سيتخلى عنها أو هي ستتخلى عنه، على الأقل في المرحلة الحالية. وهو يريد التأكيد أن هناك قسماً من الفريق القريب من المستقبل أو من قوى 14 آذار، قد خسر رهانه.

وهناك من يعتبر أن الحريري استفاد من ظروف دولية وإقليمية، بالإضافة إلى خطأ سعودي في التكتيك والإخراج حول كيفية التصرّف معه، والإيحاء بأنه محتجز وأجبر على الاستقالة. ما أدى إلى مواقف دولية اعتراضية، شكّلت عوامل ضغط على المملكة، وأدت بالحريري إلى التراجع عن الاستقالة وإعادة تحصين نفسه. كما أن هذه الضغوط دفعت السعودية إلى موافقة الحريري على التراجع، ريثما تعبر هذه الغمامة، وتتغير الظروف. قد تستطيع السعودية الحصول على مكتسبات معينة من حزب الله وإيران، لكنها تنازلات شكلية، لا ترقى إلى ما كانت تريد السعودية الحصول عليه، أو تخطط له.

الأكيد أن الحريري لم يعد عن استقالته بلا شيء، هناك قرار أبلغ به بأن حزب الله ورئيس الجمهورية ميشال عون سيراعيانه. وهما لن يسلماه ما يطلب به، أو ما تطالب به السعودية، بل سيعتمدان نهجاً جديداً، يأخذ بعين الاعتبار ظروف الحريري.. وإراحته. وهذا ما أراد تعزيزه في إعادة تعويم نفسه على المستوى السياسي والشعبي. ربح الحريري رهانه مجدداً، وهو سيعمل على مدواة جروحه، فيما هناك جروح كثيرة ستفتح في المرحلة المقبلة، لتتكرّس معادلة أساسية في هذه الفترة، عنوانها فوز الحريري وخسارة حلفائه.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها