الجمعة 2016/04/29

آخر تحديث: 17:32 (بيروت)

هل يطلق تفاهم معراب "حراك الطائفة"؟

الجمعة 2016/04/29
هل يطلق تفاهم معراب "حراك الطائفة"؟
البوادر الأولية لأي تغيير يجب أن تظهر في الانتخابات البلدية المقبلة (Getty)
increase حجم الخط decrease


يحرص مسؤولو "القوات اللبنانية" على ترداد مقولة إنّ "تفاهم معراب" بين "القوات" و"التيار الوطني الحر" لا يهدف إلى إلغاء "الآخرين" في الأوساط المسيحية، لكنّه سيعيد صياغة الأحجام السياسية بحيث تأخذ كل قوة حجمها الحقيقي في المجال السياسي والتمثيلي. الأمر نفسه يؤكّده مسؤولو "التيار" وإن بصيغة مختلفة بالقول إنّ "التيار لن يرضى أن يتمثّل بغير حجمه الحقيقي في أي من الاستحقاقات". يفهم من هذا الكلام أنّ "تفاهم 18 كانون الثاني" سيعيد إنتاج المحاصصة السياسية والتمثيلية وفق قواعد جديدة تخضع لمعايير الحجم الشعبي والسياسي لكل طرف. وهذا لا يخالف الديموقراطية طالما أنّ تحديد أحجام القوى السياسية سيحتكم إلى صندوق الإقتراع. لكنّ ثمة جانباً يغفله هذا الخطاب وهو أنّ الإشكالية الأساسية ليست في تحديد الأحجام السياسية في المجال المسيحي بقدر ما هي في توفير إمكانات "التغيير" فيه، بدءاً من البلديات وصولاً إلى شؤون المجال العام جميعاً.



إذاً المسألة ليست في رغبة الأحزاب أو قدرتها على إلغاء "البيوتات السياسية"، فهذا أمر يخضع للعملية السياسية والديموقراطية، إنما السؤال الرئيسي هو في كيفية خلق معايير جديدة في العمل السياسي والاجتماعي يصعب على أي كان تجاوزها سواء انتمى إلى "البيوتات السياسية" أو لا. ففي ظل غياب المبادرات الإصلاحية الأهلية أو المدنية في المناطق "المسيحية" لأسباب متصلة بالبنية الاجتماعية/السياسية في هذه المناطق، يصبح الرهان الأساسي لإحداث التغيير على الأحزاب المنظمة والمتأطرة وفي طليعتها "القوات" و"التيار". والبوادر الأولية لأي تغيير يجب أن تظهر في الانتخابات البلدية المقبلة نظراً إلى إتاحتها الإصلاح من "تحت إلى فوق" في حال أحسنت الأحزاب خوضها، ولو بالحد الأدنى، بنفس تغييري.


حتّى الآن يبدو أنّ "القوات" و"التيار" الحزبين الأكثر فاعلية وتمثيلاً لدى المسيحيين غير قادرين على تحقيق خرق تغييري جذري في الاستحقاق البلدي المقبل. لعل الأمر عائد إلى كون تفاهمها ما يزال "طري العود" ولم يتح له الوقت الكافي للتبلور والتأسيس لحالة سياسية/اجتماعية جديدة في الأوساط المسيحية، وبالتالي هما اضطرا إلى أخذ الاعتبارات العائلية في الحسبان زيادة عن اللزوم بحيث طغى العائلي على السياسي في معظم البلديات. لكن، بالرغم من ذلك، ثمة واقع سياسي جديد أنتجه هذا التفاهم وهو آخذ في الظهور أكثر فأكثر، وما تكتل كل القوى المسيحية "التقليدية"، سواء كانت حزبية أو "مستقلة"، ضدّه سوى دليل على الخطر الذي باتت تستشعره هذه القوى من جراء تفاهم هاتين القوتين المنظمتين. مع الأخذ في الحسبان أنّ "حزب الكتائب" في عهد النائب سامي جميل يمكن أن يشكّل حالة "تغييرية" متمايزة عن "تفاهم معراب"، لكنّ الأمر مرهون بقدرته على إدارة معارضته لهذا التفاهم بحيث لا يجنح إلى لعب لعبة معظم "البيوتات السياسية" التي يدفعها خوفها على مستقبلها إلى استنهاض "مجتمع الزبائنية" مستفيدة من قوتها "الخدماتية" في الدولة و"المجتمع المحلي" ومن ضمنه البلديات.


في المقابل، تطرح الحاجة الملحّة إلى "التغيير" في المجال المسيحي تحديّات كبيرة على "تفاهم معراب". فهذا التفاهم بقدر ما ينظر إليه كوسيلة لتزخيم الفاعلية المسيحية في اللعبة السياسية في البلد، يُراهن عليه لإنتاج واقع سياسي واجتماعي جديد في "المجتمع المسيحي" يحرّره تدريجاً من "منظومة الأعيان" التي تتحكم به منذ عقود مديدة. وبالتالي أي تلكؤ من جانبه في إحداث تغيير نوعي في هذا الاتجاه سيرتدّ عليه سلباً وسيؤلب تدريجاً الرأي العام ضدّه. فصحيح أنّ "التيار" و"القوات" لن يخوضا الانتخابات البلدية المقبلة بنفس تغييري واضح وقد راعيا المعطيات العائلية، لكنّ الناس في البلدات والمدن تراهن على توفير الغطاء الحزبي لبعض اللوائح إمكانات أكبر لمحاسبتها في حال وصلت إلى المجالس البلدية، لأنّ الأحزاب، وفق هؤلاء، لن تكون قادرة على تغطية أي فاسد محسوب عليها كون ذلك سيضرّ بسمعتها وصدقيتها. قد ينّم هذا الرهان عن تفاؤل مبالغ فيه، بالنظر إلى أنّ الحكم على التجارب الحزبية الفتيّة في الأوساط المسيحية لا يمكن أن يكون ايجابياً بالمطلق، خصوصاً بالنسبة إلى الأحزاب التي شاركت في الحكم بوتيرة متواصلة، لكنّه يعكس أيضاً (الرهان) رغبة فئة واسعة من المواطنين بالتخلص من الفساد ونظام "الزبائنية" السائد على نطاق واسع في المجتمع. وهذا النظام وإن كان استمراره مرتبطاً بطبيعة النظام الاجتماعي والسياسي في لبنان، إلّا أنّ الاحزاب لا يمكنها أن تتواطأ معه بحجة عدم قدرتها على تغييره، بل عليها أنّ تشتغل على خلق وعي جديد لدى قواعدها يفتح الطريق نحو "حراك الطائفة" في ظل الصعوبات التي تعوق تبلور "الحراك الوطني"، وإلّا شكلّت الأحزاب بيوتات سياسية جديدة تحلّ محلّ البيوتات القديمة وبالتواطؤ معها أحياناً.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها