الإثنين 2016/12/05

آخر تحديث: 00:10 (بيروت)

كي لا ينسى المسلمون مساهمتهم في الغناء

الإثنين 2016/12/05
كي لا ينسى المسلمون مساهمتهم في الغناء
مهرجان الفلكلور اللبناني 1968 في بعلبك (Getty)
increase حجم الخط decrease
فتحت حادثة منع بث أغاني فيروز خلال مناسبة لطلاب كلية الهندسة في مجمع الجامعة اللبنانية في الحدث، سجالاً انتقل من الخبر بأبعاده السياسية والاجتماعية والدينية، إلى نقاش تفاعل عبر منصات التواصل الاجتماعي ليتناول أبعاد هذه الحادثة وانعكاسها على اللوحة اللبنانية الملوّنة بمسيحييها ومسلميها. تلك اللوحة الفريدة التي ميّزت عبر التاريخ مسلمي لبنان عن أبناء دينهم في المحيط العربي، بحيث يجد كل مسلم لبناني في داخله شيئاً من مواطنه المسيحي وكل مسيحي لبناني في داخله شيئاً من مواطنه المسلم.

انطلاقاً مما تقدم تشارك اللبنانيون، المسيحيين والمسلمين، في بناء إرث ثقافي وفني واجتماعي وسياسي على مدى تاريخهم الحديث لم يقتصر على وطنهم، بل ساهمت هجرتهم الحديثة إلى الدول المجاورة في مشاركة أبناء تلك الدول ببناء نهضتهم الصحافية والفنية والثقافية.

ومن يعود بالذاكرة والوقائع، منذ أربعينيات القرن المنصرم، من حقّه أن يُصدم من تصرف مكتب التعبئة التربوية التابع لحزب الله في إحدى كليات الجامعة الوطنية التابعة للجمهورية اللبنانية بكل أطيافها الدينية والاجتماعية والثقافية. وهي حادثة ليست الأولى في إطارها القمعي لبعض النواحي الفنية والاجتماعية والثقافية أو الاختلاطية التي اعتاد اللبنانيون على عيشها بكل أريحية، قبل أن تجتاح بعض مبادئ الجمهورية الإسلامية في إيران الفكر الشيعي اللبناني المتنوّر، وبعض فتاوى متأسلمي المنطقة الفكر السّني اللبناني التقدّمي. هذا من دون أن ننكر ما للدين الإسلامي من تحفظات شرعية على بعض النواحي الفنية من تمثيل وغناء ونحت وغيرها إنما من دون أن تحول تلك التحفظات إلى عدم تقبّل مفاهيم الآخر ونظرته إلى تلك النواحي، ومن دون فرض تلك التحفظات عليه بالطرق القمعية التي تلجأ إليها بعض المجموعات اليوم في لبنان.

ويُذكّر بعض العارفين بأسماء كبيرة من اللبنانيين المسلمين ممن ساهموا مع رفقاء لهم من اللبنانيين المسيحيين في صناعة نهضة الأغنية والشعر والموسيقى والصحافة والإذاعة والتلفزيون وغيرها من جوانب الحياة الثقافية اللبنانية.

فها هو الشاعر العامليّ زين شعيب يؤسس في الخمسينيات جوقة "الجنوب العاملي" بالاشتراك مع الشاعرين خليل روكز وعبد الجليل وهبي. ثم يتشارك المنبر مع زميله جوزيف الهاشم- زغلول الدامور وطليع حمدان وغيرهما في أمسيات زجلية جالت لبنان من إقصاه إلى أقصاه.

أما ابن النبطية الشاعر عبد الجليل وهبي فساهم مع الأسعدين سابا والسبعلي في تأسيس عصبة الشعر، ومعهما مارون كرم وتوفيق بركات، وأرسى نهضة الأغنية اللبنانية بأصوات وديع الصافي وصباح ونجاح سلام ونور الهدى ووداد ونصري شمس الدين وآخرين.

ولا ينسى البيروتيون القدماء العلاّمة الشيخ عبدالرحمن سلام، أمين دار الفتوى، ووالد محيي الدين سلام أحد أشهر عازفي العود ورئيس لجنة الاستماع في إذاعة لبنان، وجدّ المطربة نجاح سلام والصحافي عبدالرحمن سلام.

أما محمد شامل وتوفيق الباشا فساهما مع الأخوين رحباني وزكي ناصيف في وضع مداميك "الليالي اللبنانية" ضمن مهرجانات بعلبك الدولية بإيعاز مباشر من رئيس الجمهورية كميل شمعون.

ونصري شمس الدين ابن جون الشوفية رابع الثلاثة الكبار وديع الصافي وفيروز وصباح في المسرح الغنائي والأغنية الشعبية والفولكلورية اللبنانية.

أما قصّة علي العريس المخرج والكاتب والمنتج، مع المسرح والسينما، فتُكتب فصولها في صفحات كثيرة، حيث كان أول من حقق فيلماً سينمائياً لبنانياً، وأنشأ مسرحاً وأسس فرقة تمثيلية وأطلق في عالم التمثيل زوجته ناديا شمعون ثم زوجته الأخرى آمال العريس.

أما المطرب عبد الكريم الشعار، شقيق مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، فانطلق من برنامج "ستوديو الفن" واختطّ لنفسه طريقاً فنية ملتزماً بالأغنية الطربية الراقية، ومثله ابنته رنين الشعار خريجة برنامج "سوبر ستار" في عزّه.

ويأخذنا تعداد "المسلمين" الذين امتهنوا الفنون رسالةً وشغفاً وقضية، إلى محمد مرعي وسامي الصيداوي ومصطفى كريدية وعلي شمس الدين. وفي جيل لاحق: أحمد الزين ووفاء شرارة ورفيق علي أحمد وفؤاد شرف الدين، وعلي شحيتلي الزغبي المعروف فنياً بإسم آلان الزغبي والذي أضحى ذات زمن راقص لبنان الأول على رأس فرقة للدبكة اللبنانية، ثم انتقل إلى التمثيل بين مصر ولبنان.

أنها جولة سريعة على زمن جميل كانت قلوب أهله عامرة بالإيمان من دون تزمّت، وبالتقوى من دون فتاوى، وبالالتزام من دون تكاليف شرعية. زمن جميل وناس جميلون لم يبعدهم دين أو مذهب عن الإيمان بعملهم لإطلاق إسمهم ورفع شأن وطنهم ومجتمعهم ومهنتهم بالتعاون مع أبناء بلدهم من دون تفرقة.

زمن كان الناس فيه يمارسون حريتهم ولا يتعدون على حريات الآخرين، شعارهم "الدين لله والوطن للجميع".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها