الثلاثاء 2016/11/08

آخر تحديث: 13:02 (بيروت)

العونيّة كمشروع: تحوّلات على طريق بعبدا

الثلاثاء 2016/11/08
العونيّة كمشروع: تحوّلات على طريق بعبدا
الوثائق التي أصدرها خارج الخدمة ولا تعطي صورة منسجمة عن مشروعه (المدن)
increase حجم الخط decrease

ثمانٍ وعشرون سنة مرّت بين دخول ميشال عون قصر بعبدا للمرّة الأولى في العام 1988 رئيساً لحكومة عسكريّة، وعودته إليه أخيراً رئيساً للجمهوريّة ضمن تسوية شملت في طيّاتها مصالح أغلبية الطبقة السياسيّة الحاكمة في لبنان. وبين الموعدين، تشكّلت الحالة العونيّة كحالة سياسيّة بين القتال تحت لواء "الشرعيّة"، والتمرّد المدني على حكم الوصاية، وصولاً إلى الدخول في نسيج الأحلاف والمحاور التي حملت قائدها إلى موقعه اليوم. وفي كل من تلك الحقبات، تطبّعت العونيّة السياسيّة في كل شيء مع ظروف كل مرحلة وحاجاتها، حتّى في طروحاتها كمشروع.

ومن البديهي أنّه يصعب- بل ربّما يَستحيل- تكوين نظرة لمشروع "العونيّة السياسيّة" على صعيد الإصلاحات والسياسات الإقتصاديّة أو الاجتماعيّة بين 1988 و2005، وهي السنوات التي طبعت العونيين بصورة "المقاومة" لسلطة "الاحتلال السوري"، كما كانت التسمية رائجة في أدبيّات التيار. لكنّ المقارنة على هذا الصعيد في خطاب التيّار تصبح مشروعة منذ 2005، تاريخ عودة عون إلى البلد وعودته إلى السياسة على رأس كتلة نيابيّة وازنة وقائمة بمشروعها ونظرتها.

كانت وثيقة "الطريق الآخر" في العام 2005 أوّل وثائق التيّار التي حاولت وضع طرح عام متكامل لمشروعه، لكنّ "طريقاً آخر" سرعان ما أخفاه كمستند وكمشروع من أدبيّات التيّار بعد أقل من سنة، واختفت معه طروحاته التي تميّزت بليبراليّة واضحة وفاقعة في الشأن الإقتصادي. وباختفاء المشروع، انتفى أثره.

ولم يحاول العونيون توثيق طرح متكامل آخر قبل العام 2009، سنة الإعلان عن مشروع "نحو الجمهوريّة الثالثة" (مشروعهم الانتخابي لدورة 2009)، وهو المشروع الذي تميّز اقتصاديّاً بنفس إصلاحي طوباوي ذهب طيّ النسيان بعد الانتخابات مباشرةً. أمّا "الإبراء المستحيل"، كتاب العونيّين عن سوء سياسات "الحريريّة السياسيّة" وفسادها على المستويين المالي والإقتصادي، فذهب في زحمة التسويات السياسيّة.

وإذا كانت الوثائق الثلاث، الخارجة عن الخدمة حاليّاً، تعجز عن إعطاء صورة منسجمة عن مشروع التيار الإقتصادي والإصلاحي منذ 2005، فإن خطاب التيار لا يعطي صورة أكثر إنسجاماً. فهو تميّز بنفس إصلاحي ثوري منذ عودة العماد عون في العام 2005 ولغاية دخوله السلطة في العام 2008، وهي السنوات التي كان فيها التيّار معارضاً بقسوة، وركز نقده على الهدر والفساد وتراكم الدين العام وتدهور الوضع الإقتصادي والمحاصصة وغيرها من الشعارات.

دخل التيّار السلطة بشعاراته في بداية الأمر، وبوجوه مثل شربل نحّاس المعروف بتوجّهاته اليساريّة. وتدريجاً، بدأ الخطاب يتجه نحو الواقعيّة والمطالبة بالشراكة مع الآخر، وغيرها من عوارض البراغماتيّة الباحثة عن حصّة في النظام.

يقول شربل نحّاس، لـ"المدن"، أنه "على صعيد الخطاب حصل منذ العام 2012 تغيير ملحوظ في نقاط إرتكاز الخطاب من موقع مناهضة سلوكيات وحتى شرعيّة النظام القائم، إلى موقع المطالبة بتصحيح الحصّة التي تعود إلى الطائفة المارونيّة والمسيحيّين بشكل عام". وهو يشبّه هذا التحوّل بالتحوّل "الذي حصل مع حركة المحرومين في الإنتقال من مناهضة النظام القائم على أساس عدم عدالته إلى موقع مرتكز على تعديل حصّة الطائفة الشيعيّة".

كانت هذه التعديلات في الخطاب تترافق مع تغييرات جذريّة في الممارسة، من موقع المعارضة المبدئيّة للسياسات العامّة الموجودة إلى تشكّل شبكة المصالح المرتبطة بالتيّار، والتي لم يكن من أولويّاتها المطالبة بإصلاحات على مستوى السياسات الإقتصاديّة القائمة. هنا يعتقد نحّاس أن "المشاركة في السلطة هي التي أدّت إلى احتلال مواقع أساسيّة في الإدارة والمؤسسات العامّة وحتى في الإقتصاد الخاص. وهذا يصح على كل الأطراف التي دخلت الساحة بعد 2005، بعدما كانت غائبة عنها قبل ذلك".

كانت لتحوّلات التيار ومشاركته في النهج القائم (على الصعيدين السياسي والإقتصادي) الدور الحاسم في بلوغه مرحلة التسوية النهائيّة، إذ يقول نحّاس في هذا المجال: "لا أعتقد أنّه كان بإمكان العماد عون بلوغ الرئاسة من دون هذه التحوّلات، لأن الوصول إلى الرئاسة يتم من خلال آليّة يقوم بها المجلس النيابي، الذي تم انتخابه وفق صيغة تتواءم مع هذا النظام، واتخاذ موقف مواجه لهذه التركيبة كان مساراً سيؤدّي إلى أمور أخرى".

تحوّلات كثيرة شهدها التيّار في خطابه وسياساته منذ عودة قائده إلى لبنان ولغاية بلوغه قصر بعبدا. وهي تحوّلات تدرّجت من الرفض الشامل للتركيبة والسياسات الإقتصاديّة والاجتماعيّة القائمة، ورفض نهج المحاصصة ودعوة الجمهور إلى "الغضب المقدّس" كما دعا عون جمهوره في أكثر من مناسبة، إلى طلب الإصلاح في الشراكة، وبعدها طلب الإشراك في المحاصصة. وإذا كانت بدايات الرفض في المشروع والخطاب سمحت للتيار تكوين قاعدة "إصلاحيّة" لمشروعه، فإن التحوّلات البراغماتيّة سمحت له ركوب التسويات الكبرى التي جاءت بعماده رئيساً للجمهوريّة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها