الإثنين 2015/04/13

آخر تحديث: 16:07 (بيروت)

الذكرى الـ40: محاربون سابقون من أجل السلام

الإثنين 2015/04/13
الذكرى الـ40: محاربون سابقون من أجل السلام
مقاتلون سابقون يتحدثون لـ"المدن" عن ذكرياتهم وعن حرب اليوم (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease

مقاتلون سابقون شاركوا في الحرب الأهلية 1975-1990 وانغمسوا في أوحالها. اختبروا قذاراتها وساهم كلّ من موقعه في تأجيجها انتصاراً لصدقية مقاصد الفريق الذي ينتمي إليه. اندفعوا بشراسة لإلغاء الآخر، العدو المفترض، جسدياً ومعنوياً انطلاقاً من ادعاء الحقيقة المطلقة وحمل القضية العادلة. وبين تأنيب الضمير والنقد الذاتي، وجدوا، بعد انتهاء الحرب، فرصاً ومواضيع مشتركة بهدف التلاقي. أعادوا قراءة التجربة السابقة واتحدوا لـ"القتال" ضد الحرب واحتمال تجدّدها. وها هم اليوم، في مناسبة الذكرى الأربعين على اندلاع الحرب اللبنانية، يطلقون مساء اليوم، جمعية "محاربون من أجل السلام" التي عملوا على تأسيسها منذ حوالى سنة تقريباً.

تواصلت "المدن" مع بعض هؤلاء المقاتلين السابقين الذين احتلّوا مناصبَ قيادية عُليا ووسطية في بعض الميليشيات اللبنانية ونقلوا تصوّرهم عن الواقع الحالي، انطلاقاً من تجربتهم السابقة. جَمعهم العمل على تعزيز السلم الأهلي لا سيّما بعدما أجمعوا على أن التجربة تقول إنّ الحرب لا تستطيع تحقيق أهداف أي طرف من الأطراف بل تؤدي إلى دمار البلد والعودة به إلى الوراء. لكن كيف كان ينظر هؤلاء إلى الطرف الآخر؟

اعتبر القيادي الوسطي في "منظمة العمل الشيوعي" سابقاً، فؤاد الديراني، أنّ مشاركته في الحرب أتت عن قناعة بأنَ الأطراف الأخرى تمثّل المشروع الانعزالي المُعبَّر عنه حينها بالمارونية السياسية. وبالتالي هؤلاء هم الأعداء الذين يتحيّنون الفرصة للانقضاض عليهم كونهم يحولون دون تحقيق الوطن العلماني الديموقراطي المنشود. كما اتفق كل من "مسؤول القوات المركزية وعضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي سابقاً" زياد صعب، و"قائد كتيبة المدفعية في الحزب التقدمي الإشتراكي سابقاً" بدري أبو دياب، مع الديراني، مضيفّين بأنّ "نظرة العداء إلى الطرف الآخر كانت نابعة من ادعائنا امتلاك الحقيقة المطلقة التي تبرّر إلغاء الآخر مادياً ومعنوياً". أما بالنسبة إلى "نائب رئيس جهاز الأمن والاستخبارات في القوات اللبنانية سابقاً" أسعد الشفتري، فالآخر بالنسبة إليه "كان المسلم المصنّف بنظره مواطناً من الدرجة الثانية، الذي لا يؤمن بلبنان ككيان بل يسعى إلى تأسيس الأمة الإسلامية، ولم يتوانَ عن الاستعانة بالفلسطيني كي يغيّر النظام. هذا الأمر ولّد شعوراً عميقاً بكره هذا الآخر، ترافق مع رغبة في الانتقام".

بين الأمس والحاضر

هل ثمة عناصر تشابه بين الأمس والحاضر تشكّل أرضيّة لتكرار تجربة الحرب؟ أجمع المقاتلون السابقون على أنّ الظروف الحالية أخطر بكثير من السابق، مكتفين بالتلميح من دون الدخول بالتسميات. رأى صعب إنّ الصراع في السابق كان بين مشروعين سياسيّين مستمدّين من منظومتين عالميّتين، الرأسمالية والإشتراكية، بينما الواقع اليوم قائم على انقسام مذهبي حاد. بالإضافة إلى أنّ الواقع الاقتصادي الاجتماعي الراهن مختلف تماماً إذ وصل مؤشّر الفقر إلى معدّل أدنى ممّا كان عشية الحرب. في السابق كانت الأحزاب السياسية سيّدة الموقف أما اليوم فالأحزاب ليست أكثر من ميليشيات للطوائف.

وأضاف الديراني أنّ "الاستقطاب السياسي الحاد يقوم اليوم على مخاطبة الانتماءات الأولية والغرائز والتخويف من الآخر وتصويره بأنّه يهدّد مصير المجموعات الأخرى. وعلى مستوى الأطراف السياسية "هناك من ينادي بالدولة ويطرح شعارات فارغة فقط بهدف حشر الطرف الآخر، ومن ينادي بمحاربة إسرائيل رافعاً شعارات مغرية بهدف التغطية على هيمنته على مفاصل البلد". أمّا الشفتري فيعتقد أنّ "الاختلاف بين الماضي والحاضر طفيف، زاد فيه عدد القبائل المتصارعة لا أكثر ولا أقل. أحزمة البؤس والفقر مثل طرابلس وغيرها ما زالت منتشرة وتشكّل أرضاً خصبة ممكنة لانتشار الإرهاب والعنف مثل السابق. وما زال اللبنانيون، أو شبه المواطنين اللبنانيين، يفضّلون انتماءاتهم العائلية والقبلية على الانتماء إلى الوطن. وتملك جميع الأطراف السياسية مراجع خارجية تستخدمها في معاركها الداخلية، كما في السابق".

بدوره، رأى أبو دياب أنّ "بعض العوامل التي أدت إلى الحرب سابقاً مثل الفقر وعدم وجود تنمية وعدالة اجتماعية ما زالت قائمة. كما أن الدولة لم تُقدِم على معالجة انتشار أحزمة الفقر والحرمان في العديد من المناطق، الأمر الذي سهّل على القوى المتطرفة مثل "داعش" وغيرها عملية استقطاب المؤيدين في فترة وجيزة. والأخطر من ذلك، أنّ القوى السياسية حالياً تبذل جهدها لتجييش الناس بهدف عدم التلاقي وخلق مناطق معزولة طائفياً عن بعضها البعض، وذلك خدمةً لمصالحها في عملية تقاسم المغانم في البلد".  

جهل الآخر وعبثية الحرب

لكن كيف يجلس أعداء الأمس مع بعضهم البعض اليوم؟ هل في مقدورهم إقناع "أعداء اليوم" بعدم الإنزلاق إلى حربٍ أهلية جديدة؟ أجمع "المحاربون من أجل السلام" على أن جهل الآخر كان الأساس في استفحال العداء ما حال دون تلاقيهم خلال الحرب، فيما جمعهم النقد الذاتي لهذه التجربة. وأوضح كل من الشفتري وأبو دياب أنّ "اكتشاف الآخر دفعهما للتعرّف على البعد الإنساني لديه بمعنى وجود أحلام وهواجس وهموم مشتركة". أما صعب فقد انطلق بتجربته "من عبثية الحرب وأهمية اتفاق الطائف لوقفها وضرورة البدء بمصالحة وطنية تشمل الطرف الآخر". فيما اعتبر الديراني أنّ "البحث عن المشترك هو ما جمع بينهم وذلك من أجل ترسيخ السلم الأهلي، لاسيّما أنهم اكتشفوا من خلال التجربة أنه من غير الممكن إجراء التغيير المنشود بواسطة الحرب واستخدام العنف".

لا يتوهّم أحد من مؤسسي جمعية "محاربون من أجل السلام" أنّ نشاطهم سيحول دون انزلاق اللبنانيين نحو الحرب، لأنهم يدركون أنّ قرار الحرب والسلم مرتبط بالخارج واللبنانيين بيادقه. لكنهم في الوقت ذاته، يتفاءلون من خلال تحرّكهم على الأرض مع بقية جمعيات المجتمع المدني وطلاب الجامعات وجيل الشباب، بأن العمل على الحؤول دون تحوّل هؤلاء وقوداً لنيران حرب محتملة، ممكن. فالجميع نَشَط بعد الحرب في الجمعيات الأهلية المختلفة ولمسوا رغبة كبيرة وتجاوباً لدى الأجيال الجديدة المعرّضة للتحريض المذهبي والطائفي لجهة ضرورة حل الخلافات بينهم من طريق الحوار. لكن صعب أوضح بأن "العمل في مجال الجمعيات في إمكانه تجنيب الفئات المستهدفة إمكانية حمل السلاح أو استخدامه. أما عملية تجنب وقوع الحروب المستقبلية فيبقى مرتبطاً بالعمل على إرساء أسُس للمصالحة الحقيقة بين اللبنانيين لم يقدم أحد على وضعها بشكل جدي بعد".

بدت معالم الحرب واضحة ونافرة في ملامح هؤلاء المقاتلين القدامى، لا سيّما أنهم عايشوا مفاصلها وتقلبّاتها واختبروا فظاعتها. وهذا ربما يفسّر مدى شراستهم في العمل على التحذير من مخاطر العودة إليها. لكن الواقع الحالي، وباعتراف الجميع، ما زال يشكّل بيئة حاضنة لآلاف الأشخاص الذين يشبهون ما كانوا عليه كمقاتلين سابقين في زمن الحرب. ليس هذا فحسب، بل أنّ المجتمعات المحيطة بهم ما زالت تنظر إليهم كأبطال، رغم محاولاتهم الدائمة بالقول إنهم قاتلوا في المكان الخاطئ، كما لفت أبو دياب. فهل يا ترى سيصغي الجيل الجديد لنداء "النقد الذاتي"، أم سيمتثل لصوت قرقعة طبول الحرب ويرى السلاح زينة للرجال؟

عن الجمعية

أشارت أمينة سر جمعية "محاربون من أجل السلام" ليال أسعد، عبر "المدن"، إلى أنّ الجمعية تضم مقاتلين وقادة عسكريين من كافة الأطراف السياسية التي شاركت في الحرب الأهلية اللبنانية، بالإضافة إلى بعض المتطوّعين المدنيين. تهدف إلى نشر ثقافة السلام وتوعية الجيل الجديد على مخاطر الحرب وذلك عبر نقل تجربة هؤلاء المحاربين القدامى في الحرب. كما تهدف إلى تعزيز السلم الأهلي من خلال تبني الحوار وسيلةً لحل النزاعات. هذا بالإضافة إلى إبراز فكرة استخدام العنف والحرب لتحقيق الأهداف المرجوة لا تؤدي إلا إلى المزيد من الخراب والدمار، انطلاقاً ممّا اختبره هؤلاء المقاتلون بشكل ملموس. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها