الخميس 2015/05/28

آخر تحديث: 11:20 (بيروت)

نكسة الثورة السورية

الخميس 2015/05/28
increase حجم الخط decrease

الاحتفالات في قصر المهاجرين في دمشق كانت صاخبة، ليلة امس، امتدت حتى ساعات الصباح الاولى، وتخللتها خطابات التهنئة والانخاب. فالمقابلة التي اجرتها قناة الجزيرة مع زعيم جبهة النصرة ابو محمد الجولاني لا يمكن ان تصنف إلا بإعتبارها انتكاسة كبرى للثورة السورية. والتعرف، مرة ثانية، على محارب اسلامي سوري، وبرغم انه ضرورة لا بد منها، الا انه ساهم في تعميق الشعور بالاحباط ، واليقين في ان عذاب سوريا مستمر الى الابد ايضاً.

لا تُواخذ الرسالة ولا يُلام الرسول، لكن المرسِل المتخفي بغطاء اسود، قال العكس تماما مما كان متوقعا ومما كان مفترضاً. هل كان هناك من داع لذلك التكرار لخطاب لم يعد دارجاً حتى في افغانستان التي يتخفى فيها زعيم تنظيم القاعدة الدكتور ايمن الظواهري، وليس مقبولاً في بقية انحاء العالمين العربي والاسلامي التي تجاهد بالمعنى الحرفي للكلمة من اجل تنقية الاسلام السياسي من الفضائح الدينية والانسانية وحتى الاخلاقية؟

كان المعروف والثابت بان دولاً ومنظمات وشخصيات ومراجع دينية كبرى تسعى بكل ما أوتيت من نفوذ، من أجل اقناع جبهة النصرة، ذات الغالبية السورية، وذات السلوك المتميز عن داعش، بنقض بيعتها الى تنظيم القاعدة، وفك روابطها معه والاندماج في تشكيلات اسلامية وغير اسلامية تقاتل النظام الان على مختلف الجبهات، وهي تمثل مستقبل سوريا ووعدها الجديد. لكن الجولاني خيب أمل هؤلاء بالذات، عندما جزم على شاشة الجزيرة في ان القاعدة منبته والظواهري شخصياً مرجعه، الذي كلفه بعدم استهداف اميركا واوروبا والتركيز على الداخل السوري.. وليته لم يفعل! سيما وان الاميركيين ما زالوا يدعمون النظام ويمنعون سقوطه. وهو الاستنتاج السياسي الوحيد الذي صدق به الجولاني، ولم يدرك مغزاه.

لا يمكن ان تحصر المقابلة بالصراع المفتوح بين داعش والنصرة، او ان تختزل الى محاولة من الظواهري لاسترداد زعامته المتهالكة للتيارات الجهادية الاسلامية التي تفرقت بعد مقتل المؤسس اسامة بن لادن. فالجولاني لم يجادل داعش طويلا في المقابلة، لا في الفقه ولا في السياسة ولا في السلوك. ولم يصدر اي حكم قاطع على الداعشيين الذين يعيثون في الارض فساداً. لعله مجرد اجتهاد بالنسبة اليه، او هو جهد لاختراق داعش؟ لكن النصر سيكون على الارجح حليف العائث.

في المكتب المذهب لمحافظ إدلب، كما تردد، جلس الجولاني ومحاوره، (الذي كاد يسأله مرة لماذا لا تجبي النصرة الضرائب والجزية من الناس في مناطق سيطرتها!)، وشرع في اطلاق أحكام تقود الشعب السوري المتنوع والمتعدد والمختلف عن الشعب الافغاني كثيراً، الى الفناء الحتمي. أعلن الثأر من كتل بشرية كاملة، وتبرع بتصحيح عقائد وتصويب مذاهب، وقرر ان يعيد الجميع الى الاسلام وشرعه الاول، الذي اجتهد به حتى المشرعون الاوائل ونقضوه.

لم يحاول حتى ان يكسب أحداً من الجمهور السوري، ولا طبعا العربي او الاسلامي. قال الامور كما يراها تماماً، بلا مواربة او مجاملة، وبلا سياسة. السيف هو الحد القاطع، والامان فقط هو لمن يتُب ويُسلِم، قبل ان تنتهي المعركة التي صارت حسب تقديره في نهايتها، ولم يبق منها سوى دمشق.. وهو تقدير تشكك به التنظيمات السورية الاكثر جدية وتأثيرا في مجرى القتال، لا سيما الجيش الحر بضباطه وجنوده المنشقين الذين يغيبون دوما عن الاعلام وشاشاته، لاسباب لا يفهمها أحد.

الاطلالة الاولى من نوعها للجولاني على لبنان، كانت هي الاخرى مخيبة. لم يقدم جديداً عندما قال ان حزب الله سيسقط مع النظام في سوريا. وهو ما يعرفه الجميع . ولعله كان رحوماً عطوفاً على اللبنانيين عندما قال ان قواهم الخاصة هي التي ستتولى في ما بعد القضاء على الحزب، متفاديا التلويح بملاحقته داخل الاراضي اللبنانية. الاولوية هي لدمشق. ومعركة القلمون ليست سوى محطة عبور الى العاصمة السورية، التي لا شك ان خوف أهلها تضاعف جراء ظهور زعيم النصرة، مثلما تفاقم قلق اللبنانيين من ان تكون النصرة في طليعة المنتصرين على النظام السوري..على حساب الملايين من المعارضين السوريين الموزعين بين جبهات القتال وبين المنافي.

 

     

     

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها