الأحد 2015/06/07

آخر تحديث: 13:57 (بيروت)

معادلة المليشيات والعشائر و..المقاومة

الأحد 2015/06/07
increase حجم الخط decrease

عشنا عقداً من الزمن تحت معادلة قسرية اسمها "الجيش والشعب والمقاومة". خصوصاً بعد "الإنتصار الإلهي التاريخي الاستراتيجي" للعام 2006، عندما تحول "حزب الله"،  إلى متحكِّم بمجريات الأمور اللبنانية بصفته "انتصر" على أقوى جيش في المنطقة. فاذا اهتز الأمن، أو حصلت جريمة إرهابية أخرى بعد اغتيال رفيق الحريري، أو قتل ضابط في الجيش، أو خبير في كشف هذه الجرائم، أو غزو للعاصمة وحرق بيوت من ليس مُرضى عنهم، أو اختلّت المسرحية البرلمانية، أو أي أمر آخر يمكن ان يكشف عن دور "حزب الله" العظيم في حصوله... كانت تُنْصب معادلة "الجيش والشعب والمقاومة"، لإحباط أية محاسبة، أية مراجعة، أي تدقيق... فتُطلق الصفات الحميدة للمعادلة: تارة بصفتها "عنوان لقوة لبنان"، أو "الكفيلة وحدها بدحر المعتدين"، أو "التي صنعت التحرير"، أو انها "من أركان قوة لبنان ومنعته واستمراره"، أو "أثبتت التجربة نجاعتها"... إلى ما لا ينتهي من أوصاف مكرّرة مطوَّلة، بمناسبة ارتكاب الحزب واحدة من تجاوزاته العسكرية-السياسية، التي لم  تنضب يوماً.

ولكن المعادلة تغيرت الآن في الواقع، فيما الألسنة ما زالت تطرب بالمعادلة المقدسة، وكأن الثورة السورية لم تمرّ من هنا؛ وكأن "حزب الله" لم يعبر الحدود السورية للقتال إلى جانب جيش النظام، تلك الحدود التي كان يصر على رفض ترسيمها، مستقوياً بمعادلة "الجيش..و..والمقاومة"؛ كأن الحزب لم يكتفِ بتوقيت الحرب والسلم داخل لبنان، فصار صاحب درو "اقليمي" يعتز به، في تحديد مجريات حرب أخرى، خارج حدوده؛ كأنه نسي تماماً قرية شبعا، وفلسطين، بعدما تذرع بهما للتضييق على اللبنانيين بمعادلة "الجيش..و..والمقاومة"؛ كأن التنسيق بينه وبين الجيش السوري والمليشيات الأخرى الحليفة له، ليس أقوى من التنسيق بينه وبين ذاك الجيش، الذي قزّمه على مدار تاريخه، فصار رهينة إرادته (كما تفعل الآن ميليشيات "الحشد الشعبي" المذهبية، المتعالية على الجيش العراقي، والضاحكة عليه)؛ كأنه لم ينشىء ميليشات موازية، عشائرية تأتمر بإمرته وإمرة "السيد"، وتكون قياداتها من مجرمين يلاحقهم الجيش وقوى الأمن الداخلي؛ كأن همْرجة الإعلان عن هذه العشائر، ووصفها بـ"الإعلامية"، مجرد إعلامية، ينزع عنها فتيل نيرانها؛ كأن الحزب لا يضغط، مباشرة، أو عبر حلفائه، على هذا الجيش، ليسنده في قيادته لمعركة تدخلّه العسكري في سوريا، ليكمِّل ما تبقى له من عمل عسكري ضد "المسلحين" التكفيريين؛ كأنه هو الذي يحارب "المسلحين التكفيريين" ليس مسلحاً ولا تكفيرياً؛ أو كأن أولئك المسلحين التكفيريين ليسوا خطراً على كل اللبنانيين، بمن فيهم اللبنانيين الذين يغريهم القتال إلى جانبهم؛ أو كأن كل من احتجّ على الأسد إنما هو تكفيري؛ كأنه لا يهيىء الأرض لتقسيم سوريا باستقْتاله في دعم بشار الأسد في مشروعه المتبقي من سوريا "المفيدة"، الممتدة من دمشق إلى حماه وحمص واللاذقية؛ أو كأن كل الإنشائيات التي يسهب بها قادته حول براءته من المذهبية والتقسيم والتعصّب والتطرف والإرهاب، تلغي ما ينطق به لسانه نفسه، وما ينضح من كل إشارة من إشاراته.

بعد الثورة السورية وانغماس "حزب الله" في أتونها، بقرار لا يملكه، وبقيادة خارجة عنه، لم يعد لمعادلة "الجيش الشعب المقاومة" أي مبرر، أي معنى. فالجيش عُنِّف وحُشر في زاوية، وتعرَّض لأعلى درجات الضغط السياسي والإعلامي والميداني. والحجة دائماً ان هذا الجيش ضعيف، لا يستطيع القيام بالمهمة، فيما كان تأسيس "حزب الله" وممارساته ومشاريعه على امتداد سنواته الثلاثين نسف لامكانيات تقوية هذا الجيش وتحصينه. "حزب الله" أكثر من أضعف الجيش اللبناني، وها هو الآن مع دخوله سوريا يريد أن يخضعه لخطته، يريد منه ان يؤازره على تأسيس دويلة بشار الأسد. أما الشعب، فلا تسأل: شعب، أو بالأحرى شعوب، متداخلة متكارهة متناقضة متقاتلة. ومسؤولية الحزب في ذلك تضاهي مسؤولية النظام الطائفي نفسه، الذي لولاه لما انوجد أصلا.

تبقى "المقاومة"، آخر مكوِّن من المعادلة القسرية القديمة، أو "محور المقاومة"، لتكون هي الوحيدة الدائمة، الثابتة، وقائدتها إيران الإسلامية؛ وهذه الأخيرة ضخّت مؤخراً على الساحة السورية سبعة آلاف مقاتل، وتوعد قادتها، أمام خسارات بشار الأسد المتلاحقة، بأنها "غيّرت استراتيجيتها"، والبقية شبه معروفة... بحيث تصبح المعادلة الأكثر مطابقة للواقع الآن هي "الميليشيات والعشائر و..المقاومة".   

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها