الإثنين 2014/09/29

آخر تحديث: 11:08 (بيروت)

اوباما-الاسد: حرب الأجيال

الإثنين 2014/09/29
increase حجم الخط decrease

 

ما زال الفارق كبيراً بين الرئيس الاميركي السابق جورج بوش، الذي كان يشن الحروب ثم يفكر في اهدافها، وبين الرئيس الحالي باراك اوباما الذي يطيل التفكير والتأمل قبل ان يدخل في حرب، لن تكون حصيلتها مختلفة عما تركه سلفه في البلدان التي غزاها في العقد الماضي.

الحرب الاميركية الثالثة انطلقت منذ نحو اسبوعين، مع ذلك فان اوباما ما زال يفكر في اهدافها، التي تبدو في الظاهر عميقة الأثر، بعيدة المدى، لكنها في الواقع تكاد تستقر عند حد الانتقام من تنظيم داعش الذي تجرأ على احتلال مساحة من المشاهدة على محطات التلفزيون الاميركية نحر مواطنين اميركيين وخطط مع شبكات أخرى للقاعدة ابرزها مجموعة خراسان لضرب اهداف اميركية..  

سبق لبوش ان خرج الى الحرب على افغانستان ثم العراق، فقط للثأر من هجمات 11 ايلول 2001، لكنه غلّف خروجه بمشاريع واسعة النطاق لاعادة بناء الدولة واقامة حكم ديموقراطي في البلدين، وبرؤية ضبابية تتحدث عن الاصلاح والتغيير في مختلف انحاء العالمين العربي والاسلامي. هذه المرة، لا يود اوباما ان يكذب او ان يخادع، لكنه يخوض الحرب كمن يقفز في المجهول تماما. لا يمكن الزعم انه يناور، او انه يتمهل في تحديد أهدافه.. لان لديه رؤية خاصة للصراع وسبل التعامل معه لا يمكن الا ان تساهم في تعميم الخراب.

منذ البداية كان رأي اوباما ان منظومة سايكس بيكو التي بنيت في المشرق العربي في خلال الحرب العالمية الاولى تنهار الان، لتحل محلها الفتنة المذهبية التاريخية بين السنة والشيعة، ما يعني ان الصراع قد يستغرق عقودا من الزمن، وما يوحي بان تحقيق السلام سيكون مسؤولية الأجيال المقبلة، حسب تعبيره الحرفي في الحديث التلفزيوني مع محطة "سي بي اس" الاميركية ليل الاحد.. كل ذلك يحصل على يد تنظيم داعش الذي استهانت به اجهزة الاستخبارات الاميركية على حد قوله، حتى صار دولة تسد الفراغ في الوسط العراقي والسوري.

بعض مما يقوله اوباما صحيح. لكنه من نوع المبالغات المفرطة التي تقصد التنصل من مسؤولية الازمة ومعالجتها. فقد استدعيت اميركا الى الحرب لهذا السبب بالذات، أي لان المذبحة الكبرى في العراق وفي سوريا هي في الغالب من صنع اميركي، إما نتيجة اخطاء سابقة معروفة ومحددة أو نتيجة نوايا لاحقة معروفة ومحددة ايضا. وهي لم تستدعَ، لانها دولة قوية وتتمتع بصفات الزعامة بعكس الصين وروسيا كما قال اوباما.  

اختلف الاسلوب، لكن الاسئلة نفسها: هل يمكن تفسير انهيار الدولة والجيش العراقيين امام مجموعات مقاتلة لا يزيد عدد افرادها عن 12 الفاً،(وليس 30 الفاً كما يكذب الاميركيون اليوم)  بغير سوء الادارة الاميركية للاحتلال وما تبعه من عملية سياسية متعجلة كانت فضائحها اكبر بكثير من تنتج استقراراً.. وكانت وظيفتها الايرانية اسوأ حتى من ان تؤدي الى إتفاق نووي مع طهران.

السؤال السوري الراهن أفظع وأدهى: كيف يمكن تفسير قرار نقل الحرب على داعش الى عمق الاراضي السورية، من دون فرض حظر جوي، في الحد الادنى، على الطيران الحربي للنظام السوري الذي لا يزال يحلق في الاجواء نفسها التي يستخدمها الطيارون الاميركيون، وينفذ غاراته ويسقط براميله المتفجرة على المدن والبلدات السورية نفسها التي يقصفها الاميركيون، من دون تنسيق مسبق، ومن دون تخطيط مشترك..على ما تقول واشنطن وتنفي دمشق!

هي واحدة من اغرب العمليات العسكرية وأشدها تعقيداً، حتى ولو كان الهدف الضمني الاميركي هو إستثمار تقاطع المصالح مع نظام الرئيس بشار الاسد من اجل إعادة تأهيله في مرحلة لاحقة لعملية سياسية حتمية. وهذا في المناسبة ما يوحي به كلام اوباما لتلفزيون "سي بي اس" الذي يحتوي على أول اشارة من نوعها الى ان الاسد لن يظل حاكما مطلقا، لكنه يمكن ان يصبح شريكا في حكم تعددي ما!

 انها مسؤولية الاجيال المقبلة، برغم ان حساب الزمن من جانب أوباما والاسد، يمكن ان يكون مختلفاً بعض الشيء.     

 

increase حجم الخط decrease