الأحد 2014/11/23

آخر تحديث: 00:14 (بيروت)

"داعش":بناء الأممية الإسلامية

الأحد 2014/11/23
increase حجم الخط decrease

طالما ظل النطق بالشهادتين هو جواز العبور الى الاسلام، فان تنظيم "داعش" يمكن ان يتحول الى أممية اسلامية جديدة ترث الامميات الاشتراكية او الليبرالية الزائلة، وتضاعف أعداد الملتحقين، من غير العرب وغير المسلمين، في ذلك المشروع العالمي المريب.

عدد الاجانب المنضوين الآن في التنظيم مرتفع ومثير. التقديرات الاولية تتحدث عن 12 الف مقاتل. ثمة من يزعم انهم باتوا يمثلون نصف عدد العرب المنضوين في داعش وربما أكثر. وهذه النسبة تكبر يوما بعد يوم، بحيث بات التنظيم أشبه بشبكة عالمية تستقطب الشبان والشابات من مختلف انحاء العالم من دون استثناء، مع غلبة طبعا للعناصر الآتية من اوروبا وروسيا ودول آسيا الوسطى.

الظاهرة غريبة. لم يسبق لأي حزب علني، شيوعياً كان ام ليبرالياً، أن كان عابراً للحدود والقارات على هذا النحو. في الماضي، عرف العالم الكثير من التنظيمات السرية التي كان اعضاؤها يحملون اكثر من جنسية وينتمون الى أكثر من عرق او لون. لكنها كانت مجرد "سلاح خفي" لأحزاب وطنية متجذرة في هويتها وفي جغرافيتها وفي برامجها السياسية.

لا يمكن التسليم بأي حال من الاحوال ان نداء الاسلام وصرخة الاسلاميين هما اللذان يستقطبان ذلك الجيش من المتطوعين الاجانب. فالخطاب الديني والسياسي الذي يعتمده داعش لا يمكن ان يخدع الا شذاذ الافاق او المعتوهين. اما ممارساته فهي لا يمكن ان تجذب غير المتعطشين للدماء. مع ذلك، فإن ثمة شريحة واسعة من الدواعش لا تقتصر على المرضى النفسيين، ولا يمكن طبعاً أن تتهم بالكفر او الضلال.. برغم ان معارفها الاسلامية شبه معدومة.

 الاسوأ من ذلك ان الهجرة "الاجنبية" الى التنظيم مستمرة، بل هي في حالة ازدهار دائم. الارقام التي تعلنها العواصم الاوروبية او الاسيوية عن مواطنيها ومواطناتها الخارجين الى سوريا والعراق للقتال والموت في سبيل الدولة الاسلامية المتوهمة، او الخليفة المزعوم، بلغت معدلات مفاجئة، لكنها صحيحة على الارجح. وهي  لا تعبر طبعا عن جاذبية داعش او سحر البغدادي، او حتى عن جاذبية إحياء عادة جز الاعناق، على ما يقول علماء نفس او اجتماع غربيون. ثمة حالة طارئة تجد تفسيرها في علوم السياسة ونظرياتها ايضاً.

ما يقال دائما عن ان دولاً عديدة اوروبية واسيوية شجعت بعض الراغبين بالهجرة الى العراق وسوريا للتخلص منهم، لا يحتاج الى برهان. لكن كثيرين من هؤلاء المهاجرين كما يبدو واجهوا تحديات وتعرضوا لمشقات ومخاطر قبل ان يتسللوا عبر الحدود وصولا الى دولة الميعاد، حيث مزقوا بطريقة احتفالية جوازات سفرهم وهوياتهم وتسلموا مفاتيح الجنة: لم تكن وجوههم ولا سيرهم الذاتية التي يجري تداولها هذه الايام في الاعلام الغربي خاصة، تفيد بانهم خريجو سجون او مساجد. غالبية النبذات المنشورة حتى الان، كما جميع الاستطلاعات التي نشرت في الاونة الاخيرة، تؤكد انهم يتحدرون من أسر تنتمي الى الطبقة الوسطى المتعلمة والمندمجة في بيئتها الغربية العلمانية، بعضهم جاء من عائلات مسيحية وقليلون من عائلات يهودية حتى. وباستثناء الشابين البريطاني والفرنسي اللذين توليا قطع رؤوس الرهائن الاجانب الستة حتى الان، واللذين كانت سجلاتهما العدلية ملطخة في بلديهما، فانه يصعب القول ان المهاجرين الاجانب الى داعش هم حتى من سكان الضواحي المتمردة..

والأغرب ان معظم هؤلاء اتخذوا قرار الهجرة بعدما كانوا قد طرحوا على عائلاتهم واصدقائهم أسئلة طفولية عن معنى الوجود وعن الحياة بعد الموت، وأسئلة صبيانية عن معايير القوة والعنف، واسئلة مراهقة عن السياسة الدولية. ولما لم يحصلوا على أجوبتهم، كانت البيانات والفيديوهات المنشورة على الانترنت حافزهم الى الاغتراب وسبيلهم الى تلك المغامرة الاستثنائية، التي تنسب زورا الان الى المعارضة العراقية او الثورة السورية، مع ان أغلب اولئك المهاجرين ربما لم يسمعوا ببشار الاسد او بما يفعله بسوريا.

ثمة ظاهرة عالمية، لم تسجل حتى مع تنظيم القاعدة نفسه. هناك جيل جديد يهاجر من مختلف البلدان والقارات الى دولة خيالية بحثا عن فرصة للتعبير عن نفسه وعن غضبه الشديد من كل ما يحيط به، من دون ان يعرف حتى اين تقع سوريا او العراق. انتماؤه الجديد يقتصر على النطق بالشهادتين الذي يكفي للانتساب الى تلك الأممية الإسلامية الافتراضية. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها