السبت 2014/10/25

آخر تحديث: 08:58 (بيروت)

الشيخ والفنان: الدم للركب

السبت 2014/10/25
increase حجم الخط decrease
أعتقد أنّ الفنان هو الذي يحكم مصر من وراء ستار، أو من وراء كواليس المسرح، أو هو أهم النخب السائدة . قارن حال أحمد شفيق مع إلهام شاهين، أو الطنطاوي مع  حسين فهمي. قلائل من الفنانين شاركوا في الثورة. لم يكن الفنان أبداً مع الثورة، عادل إمام الذي كان يقود  مظاهرات فيلم "السفارة في العمارة" بأغنية شعبان عبد الرحيم وبات بطلاً وطنياً، اعتذر عن المساهمة في يناير.. بعلة الخوف! لا علاقة لعنوان المقال برواية همنغواي الشهيرة، التي يخرج فيها الشيخ في صراعه مع البحر بالتعادل السلبي. فكرت من أجل الإثارة واللايكات بعنوان هو: "الشيخ الشعراوي والزعيم عادل إمام": صراع تحت اللمبة.

لا علاقة للمقال  بشتيمة محمود ياسين السوقية، حسب شهادة المذيعة هاجر حسين لثورة يناير التي قفز عليها الإخوان عندما كانت ثورة، ثم باتوا أصحابها الحصريين، عندما أمست مؤامرة على مصر! زوجة ياسين محجبة ومعتزلة، ولا علاقة للاعتزال بواصل بن عطاء. اعتزالها حقيقي وإن كانت القاعدة هي: أنّ الزمّار يموت وصباعه يلعب، والراقصة تعتزل ووسطها يهزّ. الفنانون الذين شاركوا في الثورة قلّة، والكتيبة الكبرى انخرطت في محاربة الثورة واتهمتها بالكنتاكي والمخدرات، طباخ الرئيس مثلاً. الشيخ حسن يوسف، إمام الدعاة الذي يحفُّ شاربه حالياً، والولد الشقي سابقاً، اتصل بإحدى القنوات في أول أيام الثورة، وبكى مثل الطفل الرضيع الذي قطعوا عنه الحليب الصناعي معتذرا من سيادة الرئيس المظلوم عن الشعب الظالم. محمد صبحي دعا السيسي المنتخب ديموقراطياً بصناديق الذخيرة إلى إغلاق مصر،  وإفناء المعارضين، كما فعل جورج بوش (هل فعل ذلك). للفنانين ألقاب كبيرة: الزعيم، النمر الأسود، سندريلا الشاشة، كوكب الشرق، العندليب الأسمر....تكبيييير.

ثلاث سنوات هي مدة الثورة والسينما واقفة، والشاشة تسرق بطولة مئة سنة من البطولة المطلقة، البطولة حقيقية في الثورة. ملاحظة: السيسي يعتقد أن السينما ستجلب لمصر الازدهار والمجد. بات الثائر هو بطل الواقع والشاشة الفضية، مائة سنة أو تزيد والفنان هو البطل الأهم، محمود ياسين  عاش مئات الحيوات؛ مهندساً، وطبيبياً، وفتوة، وحوريات الشاشة بين أحضانه يقبلهن في خنادق السيما، وسوح الجهاد الفني، غانماً اللذة والشهرة والمال. بينما الحاكم العسكري الفرعون كان يحظى بإحدى الحسنيين، ولهذا لم نستغرب كيف ترك السيسي مقعده وذهب لمصافحة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة التي نحجت في الزواج من محمود ياسين في "أفواه وأرانب" محققة معجزة مثل "ردّ قلبي".

يستنجد  السيسي في أحد الحوارات بعادل إمام. الرئيس الأعظم في تاريخ مصر عاوز اوتوغراف! السيسي، في حسابي، ممثل وسط الظباط وظابط وسط الممثلين!

الثائر المصري كان يصرخ "يسقط النظام" في وجه البلطجية، بينما صاح نور الشريف تحيا مصر في قاعة تبرعات. إذا كان مقطع خالد صالح الذي انتشر بعد وفاته سبباً لبطولته، وهو مشهد كتبه كاتب ونفذه مخرجون ومونتاج وممولون وهو الذي يقول فيه "أنّ الجهات السيادية، والعدالة، ورأس المال هي القوى الثلاث التي لن تسمح للثورة بالانتصار"، والقوى الثلاث تدرك أهمية الفن والدين طبعاً، لذلك حوّلت الشيخ إلى فنان أو مأذون. دليلي هو أنّ علي كفتة فنان أكثر منه شيخاً. أما الشيخ الأكبر شيخ الأزهر فهو غير مغرم بالاضواء، ويحب أن يكون مخرجاً أو منتجاً أو ماكيير.. الفن بات دينا والدين فناً.

مئة سنة والفنان هو الذي يحكم مصر. يندر أن تجد فناناً مناضلاً دخل السجن، إن حدث فهو شذوذ القاعدة، سعيد صالح دخله بتهمة مخدرات، وعلي الشريف بتهمة اليسار. ولا نعرف إن كان أحمد عز أو زينة، أحدهما أو كلاهما سيدخلان السجن بسبب خلافهما على بنوة ولاية العهد، أمّا السجون فكانت منتجعاً دائماً للشيوخ، دخلوها بالآلاف: القرضاوي، المحلاوي، كشك وهو أعمى، الشعراوي هرب بنفسه 17 سنة تاركاً مصر لسعاد حسني ونادية الجندي.

عاش الفنان حيوات عدة  في تناسخ غير هندوسي، أحمد زكي اعلن شبعه من الحياة وهو في السادسة والخمسين، بينما عاش الشيخ في  ظلام السجون، أو مطارداً من المخابرات من أجل كلمة. الشهيد سيد قطب الذي تلصق به كل شرور العالم الغربي والشرقي. مات بطلاً على المشنقة، من أجل  كلمة، بينما أعدم عمر المختار على بندقية. ولعل قطباً من شجعان العصر القلائل، اجتهد فأخطأ وأصاب.  

كلاهما كان يدافع أو يزعم الدفاع عن الشعب، الشيخ في الجامع، والفنان في السيما، لكن شتّان. لم ينجُ ، ولن ينجو شيخ من السلطان حتى عمرو خالد الحليق الذي فقد "صناع الحياة"، أو البرهامي الملتحي المهدد بالعزل. الشيخ مكانه السجن أو دور المأذون. المأذون هذه المرة زوّج أم الدنيا من ابو الفلاتر.

نجومية الشيخ في الجامع غير نجومية الفنان، فالفنان قد يذهب إلى الجامع، لكن الشيخ لا يذهب إلى الكلاكيت، والشيخ إن ظهر على الشاشة الفضية فهو واعظ يتحدث عن التاريخ، التاريخ  نفسه بات ممنوعاً (يا عطيات)، فبطل الحاضر يغني عن قراءة التاريخ، الشيخ في السينما مهرج، يتكلم الفصحى، "عليكم البونجور ورحمة الله وبركاته". وفجأة، في ثورة يناير رأى الناس الشيخ بطلاً على الشاشة، وبالفصحى. "ياللهول" يقول يوسف وهبي.

كانت للشيخ ساعة أو نصف ساعة كل جمعة، فمصر متدينة بطبعها كما تقول العبارة الشائعة، كان أبو جهل متديناً أيضاً، ويحج إلى الكعبة، عارياً مصفقاً مصفراً. رضي الله عنه!

الصعود صعب، والآخرة مخيفة، حتى لغير المؤمنين، والدنيا نضرة وحلوة، وليلى علوي العبلاء حلوة، وكذلك يسرا وإلهام شاهين، الشيخ حتى إن كان منافقاً، فهو يعرف التاريخ وبعض العلوم، حتى علي جمعة له جاذبية وطرافة، لكن جاذبية الجسد واللذة والاستيهام التي يحدثها المشهد العاطفي الساخن السينمائي، مختلفة. السينما تختزل عمراً في ساعتين.

يندر أن ترى فناناً يجمع بطولتي الواقع والخيال، في أمريكا التي يستشهد بها كمثال وقدوة، هناك بطولات شارلي شابلن ومارلون براندو.. بينما أحمد حلمي صاحب "عسل اسود" ومصر هي أوضتي" أنجب منذ ايام ولده الثاني في أوضة أمريكا! الشيوخ قد ينافقون، بل إني أؤمن  أنّ سبب فساد مجتمعاتنا هو فساد الشيخ، قبل ضلال الفنان، كما قال محمد الغزالي الذي مات في المنفى. لكني أعتقد أنّ الفنانين أمَّة واحدةـ والشيوخ أمَّتان.

انتصر الفنان وانهزم الشيخ بالنقاط، تقول العبارة أنّ "جولة الحق إلى قيام الساعة، ودولة الباطل ساعة". لكني أظن العكس أو هو سجال، متمنياً للفنانة دينا النجاح في حفر قناة السويس على الناشف والمبلول حتى لا يظننّ أحد أني أغمط الفنان الوطني جهده وعرقه.

قد أعذر شيخاً مفتياً أعمى ينكر الصعود على القمر، لكن أن تعتقد نجمة مثّلت عشرات الأفلام، وحفظت عشرات السيناريوهات، وجابت البلدان والأقطار وحجّت عدة مرات، أنّ فاتح مصر عمرو بن العاص، من الأولياء الصالحين، والأربعة المبشرين بالجنةّ، فتلك لعمري وعمرو بن العاص ضربة في الرأس. ليس كل الحشيش يؤخد عن طريق الفم والعضل. كيف نسيت السيسي، أليس مبشراً بالجنة يا مولاتي. "توبي الى الله واستغفري لذنبك .. وتزوجيني".

الفنان في علاقته مع النظام: أخاصمك آه.. أسيبك لا.

في سوريا الصراع له شكل تاني، وكذلك حبك أنت، أيها القارئ.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب