الأحد 2015/01/25

آخر تحديث: 13:48 (بيروت)

مصر : من يتذكر الذكرى؟

الأحد 2015/01/25
increase حجم الخط decrease

اليوم أيضاً، يثبت ان الربيع العربي كان تعبيراً مجازياً لا يمت الى الحقيقة بصلة، ويحتمل الكثير من الافتعال السياسي ومن الخطأ المناخي. مصر كانت سبب تلك القفزة المبكرة في المجهول، قبل ان تصبح الدليل الاكبر على الخيبة والانكسار. اليوم تحديداً، يتبين ان استخدام كلمة "الثورة" كان مبالغة مفرطة جداً.  

في 25 كانون الثاني يناير 2011 ، خرج ذلك الفصل المزعوم من سياقه التونسي الداخلي الحصري. أكتسب بفعل التظاهرات المصرية الاولى التي سارت في الشوارع الخلفية من القاهرة بعضاً من هويته العربية، لا سيما بعد ان التحقت بها الحركات الشعبية اللاحقة في ليبيا وسوريا واليمن، التي يبدو الان واكثر من اي وقت مضى انها كانت محلية جداً وثأرية جداً، لا تخضع لاي معايير قومية ثابتة، ولا تسمح بالتالي بالتوصل الى اي تقديرات مشتركة تصلح للتعميم من مغرب الوطن العربي الى مشرقه.

 البداية التونسية ما زالت متقدمة لكنها ليست مثالا ولا يمكن ان تكون: ليس هناك مؤسسة عسكرية حاكمة، وليس هناك قوة اسلامية عاصية. ثمة دستور وملامح دولة قانون ومؤسسات تتشكل ببطء شديد. ثمة أحزاب ونقابات وهيئات مدنية تجادل وترفع مستوى العمل السياسي. نكسة اللجوء الاخير الى رجالات وشعارات النظام السابق، لن تكون ثابتة ولا دائمة. المستقبل واعدٌ بتغيير هادىء، ونقاش مفتوح بين الاصولية الليبرالية وبين الرحابة الاسلامية اللتين طالما كانتا تميزان النموذج التونسي عن بقية التجارب العربية.

في مصر يسجل العكس تماماً: العسكر يحكم والشرطة تبطش والدولة تختزل بقوتها وهيبتها، والدستور يصبح نكتة والقانون يصير شائعة. ليس ثمة أحزاب فاعلة ونقابات مؤثرة وهيئات مدنية حاضرة. العمل السياسي يدور حول شاشات التلفزيون وخلفها. ثمة شبه شديد بأعراض الحالة اللبنانية وتشوهاتها العميقة، لا يمكن ان يؤدي الى انتظام القوى السياسية والاجتماعية في مؤسسات توازي الجيش والامن وتتمكن من ضبطهما في سياق دستوري ومدني محدد.. او على الاقل تمهد لجمع الجيل المصري الجامعي الشاب الذي خرج الى الشوارع قبل اربعة اعوام، وأخرج بقية المصريين تباعا من منازلهم، في تشكيلات سياسية فعلية، تبلور مطالب التغيير وتحدد برامج تحقيقها..

ليس من السهل الحديث اليوم عن ذكرى سنوية رابعة، وربما لن يكون من المتاح العام المقبل الحديث عن أي ذكرى. عادت مصر الى سابق عهدها. إلتفت حول العنوان الرئيسي والوحيد: دولة الجيش والامن، وتركت نخبتها الشابة وحيدة، معزولة، خائفة، تقدم المزيد من الشهداء، وآخرهما شيماء الصباغ وسندس رضا، والمزيد من السجناء او المنفيين، وتحتفظ لنفسها بشاشة تلفزيون تصنع السياسة  وتقدم نجوماً من السياسيين والاعلاميين الذين يشكلون وصمة في تاريخها، بل واساءة لحسها الفكاهي الفريد.

ليس هناك أمل قريب بان ينفتح في مصر مثل ذلك النقاش التونسي، المتواضع اصلا، حول دور الدولة وهوية المجتمع ووظيفة المؤسسات ومكانة الدستور والقانون. لو كان اختيار المصريين وقع على دكتاتور جدي، يشبه طغاة القرن العشرين مثلا، لما كان يمكن لومهم بسهولة. المشكلة انهم لا يكترثون الى كون حاكمهم يفتقر حتى الى مؤهلات الاستبداد ومواصفاته، ولم تصدر عنه حتى الان جملة مفيدة واحدة في السياسة او الاقتصاد او الاجتماع او الدين، تساهم في تحقيق فرز حقيقي لاولئك التسعين مليون بين مؤيدين ومعارضين، ينهي ذلك البؤس الظاهر على الصفحات والشاشات.

في مستهل العام الخامس على ذلك اليوم المصري المجيد، لم يبق الكثير في الذاكرة، ولن يبقى شيء يمكن ان يصلح للاستخدام في اي بلد عربي آخر، حتى ولو كان مجاورا مثل ليبيا او مشابها مثل اليمن او سوريا.

 لعل من حسنات القدر أن يثبت ان مصر لم تكن نموذجاً لاحد، ولن تكون.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها