الثلاثاء 2024/04/16

آخر تحديث: 07:29 (بيروت)

الاعلام الفرنسي مساهمًا في حصار غزة

الثلاثاء 2024/04/16
الاعلام الفرنسي مساهمًا في حصار غزة
increase حجم الخط decrease

الحصار الإعلامي الذي تفرضه قوات الاحتلال الإسرائيلي على جرائمها في غزة، يبدو أنه يروق لأغلب وسائل الإعلام الفرنسية ومشغليها. وقد ترافق هذا الحصار مع تشويه لمفاهيم العدوان إعلاميًا بتغيير الوقائع، وبتحديد مصادر المعلومات. وقد ساهمت وسائل الإعلام الفرنسية من خلال تغطيتها المنقوصة وغير الموضوعية غالبًا للعدوان في حصر التطرّق لما وقع في 7 تشرين الأول بهذا اليوم، وبمعزلٍ عن عمقه التاريخي والزمني والجغرافي. وقبل هذا التاريخ، ساهم الإعلام الغربي التقليدي عمومًا في تغييب أو في المساعدة على نسيان أحداث المنطقة عمومًا وما يقع في الأراضي المحتلة على وجه الخصوص. وعلى سبيل المثال، وبدءًا من شهر كانون الثاني سنة 2023، وحتى موعد السابع من تشرين الأول، كان التطرق إعلاميًا غالبًا ما يركّز على ما يتعرض اليه الإسرائيليون من اعتداءات فلسطينية. وفي القناة الثانية العمومية، وفي النشرة الرئيسية، أشير إلى ما يقع في الأراضي المحتلة عشر مرات فقط خلال هذه الفترة. وتم خلالها منح الطرف الفلسطيني ما قدّره موقع "بلاست" الفرنسي بما لا يتجاوز 33 ثانية للتعبير عن وجهة نظره بالمقارنة مع الدقائق الطوال التي يحظى بها الجانب الإسرائيلي أو من يُعبّر عن وجهة نظره من المحللين المحليين وهم كثر.

 

من خلال هذا التعتيم المنهجي على الملف الفلسطيني خلال سنوات، والذي لا تقطعه سوى حلقات محصورة من أعمال العنف التي تُنسب غالبًا للفلسطينيين ويكون الرد عليها من الجانب الإسرائيلي "دفاعيًا"، فقد ترسّخ في ذهن المتلقي بأن الأمور تجري في هذه المنطقة بشكل طبيعي في المطلق. وقد يتخللها من وقت لآخر أعمال عنف، من المستحسن نسبها للعرب، وهم أهل الجنوب عمومًا. وهم نفسهم من تتهمهم وسائل الإعلام اليمينية المتطرفة في دول الغرب بالقيام بأعمال عنف ونشر الفوضى في شوارع مدن الغرب نفسه. يتم هذا كله دون التطرق إلى السياق التاريخي للأحداث.

 

منذ تاريخ السابع من تشرين الأول / أكتوبر، استندت المعالجة الإعلامية الفرنسية عمومًا، مع استثناءات ضئيلة، إلى ثلاثة قواعد واضحة وهي: أولاً، كل ما حصل له بداية وهي تاريخ العملية التي قامت بها حماس في غلاف غزة. فهو حدث لا مسببات وراءه ولا شروح له مهما استفاضت. وبالتالي، فأية محاولة خجولة للتذكير بالسياق الذي تمت خلاله، كما وبعقود من الاحتلال الاستيطاني، وبالاعتداءات اليومية على حيوات الفلسطينيين، فسيعتبرها أغلب المتحدثين الإعلاميين وكأنها محاولة للهروب من واجب إدانة ما وقع في هذا اليوم، وسعي لإضفاء الشرعية على العملية، ورغبة في تمييع مسؤولية حماس فيه. وثانيًا، فإن ما تقوم به إسرائيل منذ أكثر من ستة أشهر ليس إلا ردًا "طبيعيًا" يدخل ضمن مفهوم الحق الشرعي في الدفاع عن النفس ضد الاعتداء "المجاني" الذي "ارتكبته" حماس. وثالثاً وأخيرًا، فإن ما يجري هو حربٌ بين إسرائيل وحركة حماس دون أي بعد فلسطيني عام. وبالتالي، فهو يتبنّى السيرة الإسرائيلية التي تحدد أهداف حربها في غزة على انها تستهدف فقط القضاء على حماس. وبأن الضحايا من المدنيين ما هم إلا أضرار جانبية لا يمكن تفاديها.

 

يبدو للمتابع البسيط حتمًا، وهم الغالبية، بأن الاعتداءات الإسرائيلية الدموية لم تبدأ إلا في اليوم التالي لعملية السابع من تشرين الأول. وبأنه لم تسبقها حروب بالعشرات على مدنيي غزة والضفة وعموم فلسطين. وبالنتيجة، يتم ايضًا تمييع المسألة الوطنية الفلسطينية بحصر الحديث عنها في إطار عملية انتقامية او دفاعية مبررة. وتقوم وسائل الاعلام الفرنسية بتبني المفردات الدعائية لجيش الاحتلال من نوع "الجيش الأخلاقي"، "الدروع البشرية"، "الحرب كوسيلة وحيدة لمواجهة ما حصل من اعتداءات بحق الاسرائيليين". ويتم إصباغ اللون المحلي على هذه التعابير دون أن يقوم الصحفي او المذيع، إلا نادرًا، وربما يتعرض للعقوبة المسلكية، بنقدها او معارضتها أو حتى طلب تفسيرها أمام اختلال التوازن الواسع بين المتحاربين والعدد الهائل للضحايا المدنيين من الفلسطينيين. إضافة إلى الإصرار على إلحاق جملة "حسب تصريحات حماس" للتشكيك بأعداد الضحايا من المدنيين. وبالتأكيد، فأي إشارة إلى انتماء الجهاز الحاكم الإسرائيلي الى مجموعات متطرفة يمينية، فهي تغيب، إلا لمامًا، عن المعالجة الإعلامية.

 

إن معالجة الأخبار بتجريدها من سياقها وتلوينها بخطاب المتحدثين العسكريين الإسرائيليين، نجم عنه انعدام الموضوعية وترسيخ لازدواجية المعالجة والتضامن الانتقائي، كما نجم عنها إخفاء المأساة الحقيقية الواقعة في غزة وتحويل أهلها إلى مجرد أرقام لا صور لهم ولا أسماء ولا سيرة حياة. على النقيض تمامًا فيما يتعلّق بالأسرى الإسرائيليين الذين صاروا معروفين بالاسم للعموم تقريبًا، وصارت محطات حيواتهم تتناثر في وسائل الإعلام كروايات إنسانية مؤثرة.

 

لقد رسّخ الإعلام الفرنسي قاعدة إعلامية جديدة، حيث يكون الاهتمام بمن يتحدث او يعلق او يحلل أكثر من الموضوع المعالج. فإن كان هذا المتحدث او المعلّق فلسطينيًا، فهناك حتمًا تشكيك بمصداقيته. إما إن كان إسرائيليا، فلا شك بأن قوله حق. كما أن المقاطعة في الحديث والتشكيك بما يرد وتكرار السؤال وإزعاج المحاور، تنحصر بالفلسطيني او من يعبّر عن وجهة نظره. بالمقابل، للإسرائيلي ومن يناصره، كل الإنصات وبل ربما التعبير عن الاعجاب بما يهرف بهزّ الرأس خشية هزّ البدن.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها