الإثنين 2023/06/19

آخر تحديث: 21:21 (بيروت)

ترامب..محاكمة النظام الاميركي

الإثنين 2023/06/19
ترامب..محاكمة النظام الاميركي
increase حجم الخط decrease

لا يُوفر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب فرصة للظهور إلا ويستغلها، حتى في ذروة محاكمته بـ37 تهمة تتعلق باحتفاظه بوثائق حساسة على ارتباط بالأمن القومي بعد نهاية ولايته، والكذب على مسؤولين سعوا إلى استعادتها. حجم الاتهامات واحتمال صدقها خارج المعادلة هنا.

ذلك أن ترامب يُجيد لعبة الإعلام، ولديه القدرة على المناورة عكس غريمه الرئيس الحالي جو بايدن. هكذا جيّر اتهاماً خطيراً لمصلحته واستخدمه بشكل واسع. ترامب يتهم إدارة بايدن باستهدافه، واعتبر محاكمته "أسوأ استغلال شرير وشنيع للسلطة في تاريخ بلادنا"، و"تدخلاً في الانتخابات"، رغم جدية الاتهامات ومنها وجود وثائق فيها معلومات عن البرنامج النووي الأميركي السري، وتقويم لثغرات في أمن الولايات المتحدة في حال الهجوم عليها.

مثل هذه الوثائق كان يجب أن تبقى ضمن دائرة محمية في المؤسسات الأميركية ومنها الأرشيف الوطني للبلاد، إلا أن ترامب أظهر بعض الوثائق لمن لا يحمل تصريحاً أمنياً للإطلاع عليها، ناهيك عن تكديسها في قاعات رقص وغرف نوم وحمام في منتجع مارالاغو، مقر سكن الرئيس الأميركي السابق في ولاية فلوريدا.

لكن بدلاً من تداعي حملة ترامب، يبدو أن شعبيته الى صعود، وصار اليوم متعادلاً مع بايدن (31 بالمئة نسبة التأييد لكل منهما)، وفقاً لاستطلاع للرأي العام أجرته مؤسسة "إيبسوس" وشبكة "آي بي سي" الإخبارية الأميركية أخيراً. النسبة تُسجل ارتفاعاً بنسبة 6 نقاط لترامب منذ نيسان/أبريل الماضي. ولكن في حسبة الانتخابات الأميركية لترامب شعبية خفية لا تظهر بالقدر ذاته في الاستطلاعات، وبالإمكان ملاحظتها في احدى النتائج، وهي أن 47 بالمئة من المشاركين بالاستطلاع أشاروا الى اعتقادهم بوجود دوافع سياسية وراء الاتهامات ضد الرئيس السابق.

بغض النظر عن المشكلات الصحية لبايدن ووهنه وعدم عكس مظهره أي ثقة في قدرته على القيادة، يبقى أن نوعية السياسة التي يُمثلها، خاسرة كونها استمراراً لنهج رؤساء آخرين. في المقابل، مقاربة مرشح شعبوي مثل ترامب، أساسها احتكار تمثيل رأي الناس، ولو أن ذلك يُناقض مبدأ الانتخابات بصفتها تنافساً بين أشخاص يحملون برامج اقتصادية وسياسية. من يُخالف ترامب يُفارق أميركيته حين يتفوه بانتقادات له. كلما انتقده، تتضاءل أميركيته. هو المرشح الرئيسي اليوم للحزب الجمهوري ومحاكمته، وفقاً لهذه السردية، تآمر من الإدارة الحالية لحرمان الأميركيين من تمثيل حقيقي لهم.

إضافة إلى هذه السردية، نجح الرئيس الأميركي السابق كذلك في زرع هالة شخصه في "الحزب الجمهوري" حيث يُحاول أعضاء الكونغرس اثبات تأييدهم له والتشكيك في التحقيقات بحقه، رغم أن ذلك يُؤدي إلى اضعاف الثقة بالمؤسسات الأميركية عموماً. وهذا ليس الأذى الوحيد الطويل الأمد الذي يُلحقه الرئيس السابق بالنظام الأميركي، بل كذلك يعتمد على التعيينات السياسية في المؤسسات الحكومية لأدلجتها واخضاعها لشخصه، بحجة محاربة "الدولة العميقة" ومؤامراتها ضده وضد مستقبله السياسي.

يبقى السؤال هل يُمثل ترامب شخصه فحسب، أم يعكس واقعاً وتحولاً مجتمعياً بهذا الاتجاه؟ الأرجح أننا أمام إجابة تمزج الاثنين: سياسي شعبوي قادر على الاستقطاب ويجيد التلاعب بالإعلام والرأي العام، علاوة على تحول لدى شريحة واسعة من المجتمع تشعر بالعداء حيال النظام الحالي نتيجة تهميشها اقتصادياً ومالياً وسياسياً أيضاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها