السبت 2023/06/17

آخر تحديث: 00:01 (بيروت)

طقوس لا انتخابات للرئاسة

السبت 2023/06/17
طقوس لا انتخابات للرئاسة
increase حجم الخط decrease

يصح في وصف جولة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ما قيل أخيراً في نظيرتها التركية، أنها طقس متكامل لمنافسة غير عادلة. قيل في الانتخابات التركية أن أغلب وسائل الإعلام إما خاضعة بالكامل لأردوغان أو لمن يُواليه في مجال الأعمال والسياسة، وبالتالي كانت تغطية المرشحين غير متكافئة، وحظي الرئيس التركي بحصة الأسد من الهواء الإعلامي. وقيل إن وظائف الدولة وخدماتها مُسخرة بالكامل لرفع شعبية الرئيس في تركيا، في حين إن هذا خبزنا اليومي بالسياسة في لبنان.

في لبنان، كان هناك مرشحان لاصطفافي السلطة اللبنانية بقطبيها، وكل منهما وزير سابق في حقبة مختلفة. الأول، أي سليمان فرنجية، موال للنظام السوري وحلفائه وصديق مقرب من الرئيس بشار الأسد، في حين جيء بالثاني، جهاد أزعور، وزيراً للمال مدعوماً من تيار المستقبل في الحقبات الممهدة للانهيار الحالي.

صحيح أن المشهد الانتخابي كان مملوءاً بالمفارقات التي تتطلب التفكير ملياً، مثل أن "التيار الوطني الحر" صوّت لوزير مال حكومة فؤاد السنيورة التي بنى هذا الفريق أغلب منطقه السياسي على مهاجمته واتهامه، وتحديداً في إدارة المالية العامة. وأيضاً أن بقايا الفريق الذي جاء بأزعور وزيراً للمال في الحقبة السابقة، أقرب لخصمه سليمان فرنجية اليوم، رغم أن نوابه (كتلة الاعتدال الوطني) اقترعوا باسم "لبنان الجديد" بدلاً من هؤلاء المرشحين.

هذه المفارقات مهمة لجهة أنها ترسم عبثية المشهد في لبنان. ما حصل في لبنان طقس، وليس منافسة، ذاك أن السياسة اللبنانية تنتخب بالتوافق. والتوافق غالباً نتيجة لتوازنات وصفقات إقليمية وخارجية، لا محلية. وما قيل عن أزعور لجهة خبرته في صندوق النقد الدولي وقدرته على اخراج لبنان من محنته، لا معنى له على الإطلاق، كون وزير المال اليوم في يد فريق سياسي مُحدد، في حين تتنافس الأقطاب المسيحية على تسمية حاكم مصرف لبنان المقبل. ولا معنى كذلك لما قيل عن موقف سيادي مُقابل. الرجل من صنف التكنوقراطيين الرماديين ممن لا يخوضون المواجهات، بل يقتنصون الفرص لملء السير الذاتية، لهذا تردد عدم توفيره أحداً من لقاءاته السابقة لعملية الاقتراع ولم يخرج عنه أي موقف خارج عن السياق. 

وهنا كان نواب مثل بعض التغييريين أمام خيار تصويت تكتيكي لأزعور لاضعاف فرنجية أو إخراجه بالكامل، واتخذوا خيارات صعبة لكنها ربما صائبة في منطقها العام. لكن من المفهوم أن يُنتقد نواب جيء بهم على ظهر موجة رفض شعبية لواقع الحال في لبنان. كان على هؤلاء عاتق اجتراح طريق مُغاير في السياسة، إلا أنهم سرعان ما استفاقوا إلى ضيق هامش التحرك. 

فشل هؤلاء في طرح مرشحين مستقلين قادرين على الاستقطاب أكان داخل مجلس النواب أو خارجه، ليس لأنهم منقسمون على أنفسهم، أو لاختلافهم في وضع الأولويات، وكلا الأمرين صحيح، بل لأن الديموقراطية اللبنانية مجرد طقس فارغ المضمون. 

في نهاية المطاف، ينتظر أغلب الأطراف تحولاً اقليمياً أو تبدلاً في موقف أفرقاء أساسيين نتيجة الضغط أكان محلياً أو خارجياً، كي تنضج صفقة انتخاب لا يُؤدي البرلمان وأعضاؤه فيها سوى طقس الاقتراع. والجلسة الانتخابية الأخيرة كانت على هذه الشاكلة، مجرد طقس فارغ من المضمون.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها