الإثنين 2018/04/09

آخر تحديث: 00:43 (بيروت)

ما الحاصل في رفع الحاصل؟

الإثنين 2018/04/09
ما الحاصل في رفع الحاصل؟
increase حجم الخط decrease

من يسمع السياسيين اللبنانيين وهم يحضُّون أنصارهم على رفع الحاصل الانتخابي، يخال بأننا نبني حواجز تمهيداً لحرب أهلية، لا اننا نقترع في انتخابات نيابية. لذا يجب علينا ان نطرح اليوم سؤالاً عن سبب اللجوء الى الخطاب التصعيدي والمذهبي المبطن، سيما أن الواقع السياسي كان قبل انطلاق حملات الانتخابات، في مكان آخر تماماً.

قبل شهور قليلة، كانت الأطراف السياسية لا تزال في حال غزل متواصل بينها. حتى شهور قليلة مضت، تبادل الأمين العام لحزب الله ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الثناء في المقابلات والخطابات، وكأن السياسي هنا يكبس زر الانتخابات فيتحول الى خطاب الحرب والمتاريس، فيستحيل الاقتراع عملاً حربياً لا خياراً مبيناً على برامج وتجارب في السلطة.

يوم أمس اطلق نصر الله جملة مواقف يؤكد فيها اتصال هذه الانتخابات بالمؤامرات المتواصلة ضد المقاومة منذ التحرير عام 2000، وعرج على التورط الأميركي فبها ثم انتهى بالحديث عن الحاصل.

في تسلسل الأفكار، المؤامرات بدأت بمحاولة إشعال القتال بين الجيش والمقاومة، وعندما استنتجت الادارة الأميركية بعد دراسة أجرتها للتركيبة الطائفية بأن ذلك غير ممكن، سرَّعت حرب تموز (الحرب لم يكن لها علاقة بعملية خطف وقتل جنود اسرائيليين). وخلال الحرب، كان الرهان أيضاً على منع الجيش شحنات الأسلحة للحزب خلال القتال، تمهيداً لصدام بينهما لم يحصل. تكرر السيناريو ذاته عام 2008 عبر ضرب شبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة، واليوم في 2018  يتجدد الرهان. المؤامرة الجديدة ليست بشراء الأصوات لان مجتمع المقاومة لا يُشترى ولا يُباع، بل "في بعض الدوائر التي يُشكل فيها الحاصل أمراً مهماً، بعض الجهات بدأت تتصل بعائلات من اجل اخذها الى الزيارة على حسابها في 3 و5 أيار كي لا تكون موجودة في السادس من أيار لان شعب المقاومة لا يقبل أن يبيع صوته".

هناك ترابط بين احباط المؤامرات المتنوعة في الماضي وبين رفع الحاصل الانتخابي في أيار المقبل. ذاك أن رفع الحاصل هو حلقة مهمة في سلسلة الانتصارات المتواصلة واللامتناهية على المؤامرات التي تأخذ أشكالاً مختلفة منها تمويل زيارة الأضرحة الدينية (في العراق وإيران) بالتزامن مع الانتخابات. وإعادة شد العصب المذهبي عبر التخويف من الاخر بصفته جزءاً من مؤامرة وجودية، أنفع من الحديث عن مكافحة الفساد، سيما مع انضمام حليفي الحزب في السلطة، اي حركة أمل والتيار الوطني الحر الى المطالبين بذلك. عملياً، كل السلطة ستكافح الفساد وهو مخلوق فضائي هبط علينا من المجرات البعيدة.

في المقابل، ليس الحريري ببعيد عن هذه الرؤية الانتخابية. بيد ان رفع الحاصل بالنسبة للحريري هو بمثابة الحصن الحصين لحماية بيروت من محاولة سلبها قرارها. "هذه الانتخابات مصيرية"، قال رئيس الوزراء يوم أمس أيضاً، "ولذلك على كل مواطن أن يشارك في العملية الانتخابية من أجل رفع الحاصل الانتخابي، وكي لا نسمح لأحد بأن يأخذ قرار بيروت من أهلها". والخطر الكبير يتمثل في أن "هناك من يحاول خطف هذه الانتخابات منكم، لكن ذلك لن يحصل، والسما زرقا". وهذا خطاب أوضَّحه اكثر وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق بدعوته أهالي بيروت الى عدم تسليمهم "العاصمة لمن دمر سورية والعراق". بكلام آخر، الحاصل الانتخابي هو البوابة الشرقية في مواجهة المد الفارسي.

لكن اذا كان حزب الله والمستقبل سيرفعان الحاصل في الدوائر بشحذ الهمم ضد الغزاة، فماذا يفعل التيار الوطني الحر؟ تكمن أزمة التيار في أن وصوله الى بعبدا جاء على متن تفاهمات مع حزب الله ومن ثم القوات اللبنانية وتيار المستقبل. كيف يرفع الحاصل مع هذا العبء الثقيل من التفاهمات؟  العميد شامل روكز، صهر الرئيس ميشال عون والمرشح عن دائرة كسروان - جبيل ابتكر طريقة جديدة، من خلال التحريض على عدو قاتله في الماضي وبات حليفاً له اليوم: الجيش السوري. في لقاء حواري في كفرذبيان، رسم روكز خطاً بينه وبين خصومه: أنا قاومت الاحتلال، وهم التحقوا بالمحتل ودافعوا عنه. "أنّنا فخورون بحرب التحرير لأنّ بها حاربنا من كان يحتلّ لبنان، وبقينا فخورين بها حتّى خروج آخر عسكري من الأراضي اللبنانية…لا يعيّرنا أحد بحرب التحرير، فنحن نعير أكثر من التحق بالمحتلّ يومها وكان يدافع عنه بصورة دائمة"، هكذا ادلى روكز بدلوه في لقاء انتخابي. ومثل هذا الكلام يرسو أيضاً على تفاهم مع "الحلفاء" بأن الجيش السوري -فرع حرب التحرير، مختلف عن ذاك الذي يقصف الغوطة بالكيماوي، وهو صديق وحليف للتيار. المهم ان مواقعنا في الانتخابات تُشبه متاريسنا في الحرب.

فإن لم يكن لديك عدو ومعركة مصيرية، اخترع واحدة، لأن في هذه الانتخابات الاكثري-نسبية ليس هناك سوى برنامج انتخابي واحد: إما أنا، أو نهاية العالم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها