السبت 2018/03/10

آخر تحديث: 07:49 (بيروت)

الثورة المضادة : رُدَّ كلبي

السبت 2018/03/10
increase حجم الخط decrease

ألمانيا تدرّب الوافد، كيف يكون لطيفاً وجذاباً في العمل، وكنا نقرأ نصاً، يرى أن المرأة المصحوبة بكلب، تكون جذابة أكثر من المرأة من غير "محرم". قلب الذكر الألماني يرقُّ رحمة بالمرأة صاحبة الكلب. الكلب صاحب شفاعة في الحياة الدنيوية الألمانية والأوربية. صاحبة الكلب حسب طبائع الألمان الجديدة، تذكّر بالحياة العائلية، والوعي الصحي، والقدرة على الانضباط، فهل من مدّكر. طلبت منّا معلمتنا باولينا بيان الرأي أصولاً.

وبما أننا وافدون أمشاج، كل واحد من ديرة، إغريق، ورومان، وروس، وعرب، وكرد، وطليان، فلكل واحد منهم ملة واعتقاد. المغانط القلبية لها شدات جاذبية مختلفة.

تُعلّمنا العلوم الهندسية، أنه يمكن تحويل الحديد إلى مغناطيس جذاب، كما سأشرح بعد قليل.

عارضَ زميلنا البلغاري، فالكلاب في صربيا وبلغاريا مثل الكلاب في بلاد العرب، سائمة في الشوارع، وتثير الرعب، والمرأة إذا اصطحبت كلباً تثير الخوف والرعب. حتى الألمانيات يحرصن على تهدئة كلابهن عند مرور غريب بهن.

قال جيوفان الإغريقي: إن الكلاب غير شائعة في اليونان، فهم في ضيق اقتصادي وكرب. والتركي حسن، لم يجد جاذبية في اصطحاب المرأة كلباً. انتقل الحديث إلى ابتسامة العمل، ولم ننس الكلب باسطاً ذراعيه بالوصيد، وخاصة ابتسامة البائعين، وضرورتها وجاذبيتها، وتحدثنا عن إرهاق الابتسامة وإجهادها، فالابتسام حُقبا، يحبط المبتسم، ويرهق عضلات الوجه، ويجعل الدورة الدموية في اضطراب، ويرفع ضغط الدم عذاباً صُعداً، لأنها ابتسامة مصطنعة، وكنت قد رأيت فلماً وثائقياً عن عارضات أزياء إندونيسيات يبتسمن فترة العمل، ويصبن بالإحباط، وربما بالشيخوخة المبكرة. وتخصص لهن الشركات أطباء في علوم النفس المجعدة. الباعة الأتراك لا يبتسمون، فقد تكون الابتسامة للزبون الذكر تملقاً، وللأنثى تحرشاً، أما البائع الكردي فقد يقتلك وهو يبيع بضاعته لشدة غضبه ويأسه، وبدلاً من أن يقول لك: مع السلامة، أو يتمنى لك يوماً طيباً، قد يقول: عاشت كردستان، أو قد يسأل: هل تعرف كوباني، أو عفرين؟ أو يذكر اسم زعيمه، ولو شاء لثبّت اسم ربه بالمسمار على كل بضاعة، مثل الماركة المسجلة. أحد أسباب المحنة الكردية، أن الكردي يقاتل بتهور، وهو أجهل الناس بشطرنج الأمم، وشطرنج الأفراد أيضاً. عندما يمدّ البائع الكردي يده لإعادة لفكًة، يخشى أن يخرج سكيناً، وهو يقول: كوباني. كوباني من عجائب الدنيا السبع!

زميلنا عبدو كان صريحاً، وأفتى قائلاً: إن الكلب غير مرغوب في ديار الإسلام، إلا لصيد أو ماشية، وعندما جاء دوري قلت:

إن ديار المسلمين صارت أطلالاً، في ثلاث أو أربع دول عربية، والسبب هو اتخاذ الكلب للرئاسة، وليس للصيد وللماشية!

باولينا اندهشت من قولي، وحسبته لجّة، وعدّته نوعاً من الجذب الصوفي والإشراق، الذي يسميه العامة "بالسحبة".

سحبت سحبة أخرى، وقلت: المرأة جذّابة في ديارنا من غير كلب أو ابتسامة، وتختلف جاذبيتها من بلد عربي إلى آخر، فيمكن أن تكون جذّابة تحت العباءة السوداء، الأمر نسبي. بينما تقل جاذبيتها في بعض الدول الأوربية، حتى لو ظهرت بالبكيني أو أدنى من ذلك، والجاذبية تتبع السن والشباب، فالشابة جذابة بحبال الرغبة، والمسنّة بفضيلة الأمومة والخؤولة، وتختلف الجاذبية بين الملل والنحل، وليست نمطاً كما في ألمانيا. ولو استعرضتُ لها الأمثلة الجمالية في الشعر العربي، من امرئ القيس إلى نزار قباني، لآمنت هذه الألمانية أن العرب قوم متمركزون حول الأنثى.

سألتْ مستنكرة، فقد شاعت أنباء قتلنا النساء بعد جريمتين في أسبوع واحد: هل أنتم متمركزون حول الأنثى؟

قلت: نحن نطوف بالمحور، محور المقاومة والممانعة.

لعلي شطحت من الجاذبية الاقتصادية، إلى الجاذبية العاطفية. قال مصطفى، وهو زميل عريس، ينظر في نجوم هاتفه كثيراً، مثل هاروت وماروت، ويهبُّ فجأة من مقعده، وينصرف مغادراً، عندما جاء دوره، قال: إن جاذبية المرأة هي في الجغرافيا الطرية، فسكت التلاميذ، وسألت المعلمة باولينا: الجغرافيا؟ فبيّن رأيه بصراحة وقال: التضاريس، ومرتفعات وذرينغ، ثم انصرف، بعد أن لمعت نجمة في هاتفه، مؤتمراً بأمر جني محبوس في الهاتف.

سألتْ: ما بال مصطفى؟

قلنا لها: إنها العروس.

فبانت ضواحكها.

قالت باولينا برصانة، تعليقاً على الجغرافيا والتضاريس، وبقية الثروات الجمالية: على الأنثى المتقدمة في ألمانيا للعمل تجنب لبس تنورة قصيرة فوق الركبة، وإلا خسرت العمل، وعند لبس التنورة، عليها لبس جرابات، تقوى، لتعطيل شهوة السيقان.

طبعاً لم تخبرنا باولينا، أن المتقدمة للعمل، يمكنها أن تلبس التنورة لرب العمل، بعد الحصول على الوظيفة، في غرفة الإدارة.

الدنيا مليئة بالعجائب، في فيلم بابل، تحاول بطلة القصة الثالثة، وهي خرساء ترتدي تنورة، جذب أبصار شباب النادي، فتغيب دقائق، ثم تعود، وقد خلعت جراباتها، وهي جرابات فوق الكعبين بقليل، وتبتسم للشباب. شهوات ذكور اليابان عجيبة.

نظرت إليّ مستنجدة، فقلت: مصطفى محق، العرب تحب المرأة العبلاء التي "يدفع بعضها بعضا" حسب قول للعابد الزاهد الحسن البصري. كيف أشرح لها معنى هذا الكلام، ليس في لغتي الألمانية التي أعرفها إلا القول: إنها المرأة السمينة، لكن فيه ظلم كبير للحسن البصري، بادرتُ إلى السبورة، وشرحتُ لها معنى امرأة يدفع بعضها بعضا:

قلت: نحن في درس الجاذبية ونيوتن، سنستعين بالفيزياء. في علوم الحركة إذا دُفعت كتلة بسرعة ابتدائية على سطح مستو، فإنها ستنطلق بتسارع إلى اللانهاية.

قالت: وبعد؟ أين المرأة والجاذبية في الأمر؟

قلت: منذ أن خُلقت حواء من ضلع آدم بسرعة ابتدائية، ونحن نمضي إلى اللانهاية.

وعدت إلى مقعدي، من غير أن يصفق لي أحد.

جلست وقلت: الكلاب في السياسة أكثر جذباً من كلاب النساء.

فشنّفت باولينا أذنيها.

تابعت: إن زعماءنا يا مولاتي، ضعيفو الجاذبية، وجاذبية الزعماء والدهماء عند العرب، هي في اللسان، ولو تحدث الزعيم،  السيسي مثلا، لاشتهينا ضربه بالأحذية، فهو عيي، أعجم لا يكاد يبين، لكن لأسباب أهمها قدرة الزعيم على الغدر والكذب وحب زعماء أوربا للكلاب، وصل  إلى ذروة البيت المصّمد. تجتمع أفصح الكلاب في البلاد ثقافة ونباحاً لنصرة الزعيم ومدحه، حتى تجعله دون الله بدرجة، وأحياناً كثيرة فوقه بدرجات، وتجعل لغوه بياناً وآيات وشعارات.

قالت المعلمة الجذابة من غير كلاب: الفكرة مفيدة

تدخل الأفريقي Uvuvwevwevwe Onyetenyenwe Ugwemubwem Ossas فقال: تفاحة نيوتن سقطت بالجاذبية.

قلت: تزعمون أن نيوتن أول من وضع للجاذبية قانوناً، لكن علماء مسلمين سبقوه.

تروي كتب التاريخ، أن الهمداني من أوائل العلماء التجريبين، الذين أشاروا إلى الجاذبية بوضوح، كما جاء في كتاب "الجوهرتين العتيقتين"، تلاه ابن سينا في القرن العاشر الميلادي في كتابه (الإشارات والتنبيهات)، ومثله الريحان البيروني في كتابه (القانون المسعودي)، وقال بها الخازني، في كتاب (ميزان الحكمة)، والإدريسي تحدث عن جاذبية الأرض كتابه (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق).

عاد مصطفى، ويبدو أنه لم يذهب إلى خباء العروس هذه المرة، جلس وقال: الجاذبية مذكورة في القرآن الكريم، استذكر وقال: "أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا" وترجم كفاتا إلى الألمانية بالجاذبية.

سألت: كفاتا معناها جاذبية؟

وكفاتا غير الكفتة، التي جذبت نخبة العسكر في مصر إلى السيسي، ولو رميت السيسي، وموسى مصطفى موسى من فوق سطح مبنى، كما فعل غاليلو، لبقي السيسي معلقاً في الفضاء، وسقط مصطفى موسى مصطفى (ربما موسى مصطفى موسى) لا يهم، إلى الأرض.   

قلت: إن جاذبية الرجال عندنا مقلوبة، فنحن تحت شرط قوانين الطوارئ، ننجذب إلى الرجال المصبوغين بالدماء. وعدت إلى المرأة والكلب، فقلت: دليلي أن السيسي، وهو زعيم مصر الحالي، كان معجباً بفيلم "رد قلبي". الفيلم أعجب الغرب أيضاً، فأشعلوا الثورة المضادة، ووردّوا قلوبهم في أربع عواصم عربية.

وكنت قد ذكرت، أنه يمكن تحويل قضيب حديد إلى مغناطيس جذاب، بلف وشيعة حول قضيب الحديد وإمرار الكهرباء فيها، وقد مرر الغرب، كهرباء الجاذبية في السيسي، ويخشى أن يمرر كهرباء مقاومة الإرهاب في الأسد، لأن ثمة علامات تدل أن جاذبيته في ازدياد.

قالت باولينا: الخلاصة.. في بلادكم الأنثى جذابة من غير كلب.

وقفت، وأظهرت صورة للسيدة عقيلة الرئيس، على بلورة هاتفي، ومعها الرئيس: وسألتها: هل هي جّذابة؟

فنظرت، ثم بانت ضواحكها.

 





increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب