الجمعة 2018/02/16

آخر تحديث: 05:22 (بيروت)

الاختراق أولاً

الجمعة 2018/02/16
الاختراق أولاً
increase حجم الخط decrease

جاءت التحالفات والترشيحات الانتخابية المحسوبة على "المجتمع المدني" والمستقلين دون التوقعات، إن لم تكن مخيّبة للآمال. فعلاوة على الاستعراضات، لم نر برنامجاً سياسياً واضحاً حتى اليوم. ولا يُستبعد أن يكون بعض هذا التردي الإنتخابي ناجماً عن "هندسة" مسبقة لقوى السلطة، تهدف الى تشتيت أصوات المستقلين ليبقى مجموع كل من لوائحها دون الحاصل المُحدد بموجب القانون الحالي.

رغم ذلك، لم تنتج الحملات حتى الآن خطاباً أو برنامجاً يستدعي التوقف لحظة عنده، كما فعلت حملة "بيروت مدينتي" إبان الانتخابات البلدية عام 2016. حتى الآن، لم تتضح أُسس المواجهة بين المرشحين مستقلين أو المحسوبين على المجتمع المدني من جهة، وأركان السلطة بأحزابها وميليشياتها من جهة ثانية. والقضايا الخلافية جذرية وكثيرة من الفشل الحكومي العارم حولنا نتيجة التردي الخدماتي والفساد إلى سلاح "حزب الله". بالتأكيد نعم، وكل هذه القضايا تستحق برنامجاً انتخابياً موحداً في مواجهة قوى السُلطة.

رغم كل ما سبق، تبقى المشاركة في الانتخابات ترشيحاً واقتراعاً أجدى من عدمها. بيد أن هذا القانون النسبي يتيح فُرصة للاختراق لم تتوافر مع القانون الأكثري ومحادله. ومثل هذه الفرصة تُشجع على المحاولة ومراكمة التجارب، على أمل التأسيس لتيار أو مجموعة سياسية متجانسة.

كما أن هناك فُرصةً حقيقيةً للاختراق في دوائر كانت في الانتخابات الماضية محسومة. على سبيل المثال، كانت دائرتا بعلبك الهرمل وبنت جبيل-النبطية-حاصبيا-مرجعيون محسومتين سابقاً للثنائي الشيعي، لكنهما اليوم على أبواب تهديد حقيقي من معارضين لهما، سيما في الأولى. في الانتخابات البلدية الأخيرة، أظهرت القوائم المعارضة قدرة على منافسة حقيقية في أنحاء البقاع الشمالي، إذ حصدت أكثر من 40% من الأصوات في بلديات عديدة من بينها بعلبك. ربما لهذا السبب، يُحاول الحزب البحث عن أسماء استفزازية لشد العصب في الاستحقاق المقبل.

رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري يُواجه معركة مصيرية سترسم مستقبله السياسي والمالي في آن. في أفضل الأحوال، سيُحافظ الحريري على ثلثي كتلته الحالية (33 نائباً). إن فاز، يخسر 12 نائباً. وإن خسر، لن تتجاوز كتلته نصف حجمها اليوم.

حال النائب وليد جنبلاط ليس أفضل في دائرة الشوف-عالية حيث الحاصل الانتخابي منخفض والاختراق حتمي. مسيحياً، يبدو الخرق سيد الموقف في دوائر المتن وكسروان-جبيل والبترون- بشري- الكورة-زغرتا. وجميع تلك الدوائر كانت محسومة سابقاً لطرف دون آخر.

والانتخابات هنا أيضاً معركة توريث. ماذا لو خسر رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل الانتخابات المقبلة في البترون؟ وبأي كتلة سيدخل تيمور وليد جنبلاط وطوني سليمان فرنجية البرلمان؟

وهذه انتخابات تأتي أيضاً عند مفترق اقليمي. هناك تبدل في القيادات والتحالفات على مستوى المنطقة، علاوة على استحقاقات مقبلة قد تُغيّر الواقع السياسي جذرياً خلال السنوات المقبلة. إيران تُواجه تحدياً اقتصادياً واجتماعياً في الداخل، أفرز الاحتجاجات الأخيرة، وقد يُنتج مثلها لاحقاً. لكن هذا التحدي، معطوفاً على الخلافات داخل النظام الواحد، سيتبلور أكثر عند انطلاق معركة خلافة مرشد الثورة (ولي الفقيه). ولن يكون لبنان بمنأى عن آثار هذه التبدلات.

وسط هذه الاحتمالات الكبرى والزعامات الناشئة والهشة، أي اختراق في أي دائرة قد يستحيل حالة تأسيسية، أو، في أسوأ الأحوال، تجربة يُبنى عليها للمرة المقبلة قبل عودة المحادل الأبدية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها