الجمعة 2017/08/18

آخر تحديث: 00:41 (بيروت)

على حافة الانهيار

الجمعة 2017/08/18
increase حجم الخط decrease

”انهيار سحيق لليرة اللبنانية أطلق ادانات متبادلة في الحكومة اللبنانية حيث ألقى المسلمون باللوم على الرئيس المسيحي، وحمّل المسيحيون رئيس الحكومة المسلم المسؤولية“. هكذا بدأت صحيفة ”نيويورك تايمز“ تغطيتها لانهيار الليرة ومعها الاقتصاد اللبناني في 15 تشرين الثاني عام 1986. خلال أشهر قليلة، انحدرت العملة بنسبة 300 بالمئة، أي بات راتب الموظف الشهري بالكاد يكفي لعشرة أيام. 

استحضار هذه الذكرى مفيد اليوم، إذ نُواجه سيناريو مشابهاً. قانون عقوبات مالية أميركي يُراكم الضغوط على اقتصاد مُثقل بالديون، ومصرف مركزي يُحاول جاهداً الحفاظ على مستوى الليرة اللبنانية. وأيضاً، طبقة سياسية منقسمة أفقياً ومنخورة بالفساد واللامبالاة حيال مصائر اللبنانيين.

تداولت وسائل إعلام باللغة الانكليزية نصّاً جديداً لقانون العقوبات الأميركية الجديدة، جاء فيه أسماء نواب ووزراء يُمثلون حزب الله في البرلمان والحكومة. ولهذا عواقب جمّة على تعاملات الحكومة اللبنانية والحقائب المعنية مع المصارف والعالم الخارجي في آن، ويزيد من الآثار المرتقبة للعقوبات علينا.

أولاً، يعتمد اقتصادنا بشكل هائل على القطاع المصرفي، وهو المُلزم بتطبيق العقوبات وبتحمل تبعاتها على علاقاته بالعالم الخارجي. صحيح أن المصارف تُوظّف 22 ألف لبناني بحسب تقرير لمصرف بلوم، من أصل 931 ألف عامل في القطاع الخاص بأسره. إلا أن للقطاع دوراً أكبر بكثير. هو ممر لتحويلات المغتربين اللبنانيين، العصب الأهم للاقتصاد، وهي تتجاوز 7 مليارات دولار سنوياً. كما يُوفر قروضاً للقطاع الخاص بقيمة 47 مليار دولار. يتوزع العاملون في القطاع الخاص، على مجالات الخدمات (مصارف وشركات مالية وتأمين وسياحة وغيرها) بنسبة 39٪، والتجارة 27٪ والصناعة 12٪ و9٪ في قطاع البناء و7٪ في الاتصالات والمواصلات و6٪ فقط في الزراعة. ويُموّل القطاع أيضاً بودائعه، الدين العام المتضخّم، وهذا بدوره يُسهم في تسديد رواتب 176 ألف موظف حكومي (بحسب آخر أرقام رسمية).

وثانياً، تحكمنا طبقة سياسية لا تكترث البتة بتنشيط الاقتصاد، بل جلّ همها مراكمة الدين العام والثروات الخاصة لأعضائها. بحسب تقديرات البنك الدولي، في حال استمر الوضع على حاله، سترتفع نسبة فاتورة خدمة الدين العام من دخل الحكومة، إلى 60 في المئة في غضون عام 2021. حينها، لن تتمكن الحكومة اللبنانية من تسديد رواتب العاملين في القطاع العام.

طبعاً، لن يتحمل السياسيون اللبنانيون أي مسؤولية، تماماً كنظرائهم عام 1986. وبالفعل، على وقع تسريبات العقوبات الأميركية، وأثرها المرتقب، يتبدى اتجاهان في الطبقة السياسية. الأول رأيناه في زيارة وزراء الممانعة اللبنانيين الى دمشق يوم أمس. ترى قوى ”الممانعة“ في تشابك الاقتصاد مع ايران وسوريا حلّاً يُبقيه في غرفة الإنعاش، ويُوطّد خضوع لبنان لهذا المحور الإقليمي. 

الاتجاه الثاني هو التنصّل من المسؤولية إما بإلقاء اللوم على الطرف الآخر، أو بالتحذير بلسان المراقب من الانهيار الاقتصادي المحتوم. لذا نسمع بعض السياسيين يتحدث كمراقب حاد الذكاء، كمثل قبطان خرج من سفينته وبات يُبلغ ركابها بغرقها من البر. ”أرى بوضوح أنكم تغرقون“!

قبل أيام، كتب أحد المسؤولين الحزبيين الكبار، وهو مستشار لزعيم طائفي شارك في كل الحكومات منذ الطائف، مقالاً باللغة الانكليزية عنوانه “الاقتصاد اللبناني على حافة الهاوية”. ختم هذا المسؤول مقاله بالفقرة التالية: ”يُواجه لبنان عاصفة اقتصادية كبرى. نظراً الى التحديات المتصاعدة لأزمة اللاجئين، والضغوط المرتقبة للعقوبات الأميركية على حزب الله وحلفائه، وخروج الدين العام عن السيطرة، وفشل الادارة (الحكومة)، من الصعب تجنّب الاستنتاج بأن الاقتصاد اللبناني على حافة الانهيار“.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها