الإثنين 2017/06/19

آخر تحديث: 08:30 (بيروت)

سوريا مرمى الأسلحة الحديثة

الإثنين 2017/06/19
increase حجم الخط decrease

في حواره السنوي مع المواطنين الروس قبل أيام، اتسم حديث الرئيس فلاديمير بوتين بجرعة صراحة زائدة. خبرة القوات الروسية في سوريا، وتحديداً استخدامها أحدث أنواع الأسلحة الوطنية، ”لا تُقدر بثمن“ لأنها اختبرت أحدث أنواع الأسلحة وصححت العيوب فيها، وبالتالي عززت قدراتها. 

وهذا الحديث الصريح والمباشر، أحد الجوانب المهمة لهذه الحرب المتعددة الجبهات والأطراف والداعمين الاقليميين والدوليين. ورغم أن من الصعب احتساب أهمية دور صفقات السلاح وتجاربه في هذه الحرب، تبقى جزءاً مهماً من مقومات ديمومتها.

وهذا ينسحب على الروس كما على خصومهم الأميركيين وغيرهم. 

قبل سنة ونصف السنة، سرّب موقع “ذي انترسبت” الأميركي تسجيلاً لحديث أدلى به بروس تانر نائب الرئيس التنفيذي لشركة لوكهيد مارتين في المؤتمر السنوي الثالث للصناعيين برعاية ”كريدي سويس“. في التسريب، يتحدث تانر عن فوائد غير مباشرة لقطاع الأسلحة من التصعيد العسكري في الشرق الأوسط، سيما بعد اسقاط تركيا مقاتلة روسية. الحادثة تفرض تحدياً للجيش الأميركي في المنطقة، وتوفر ”رافعة غير ملموسة (للقطاع) نتيجة ديناميات المنطقة ومنتجاتنا في المسرح“. الحادثة، بحسب تانر، تؤكد الحاجة الى مقاتلتي أف 22 وأف 35، وكلاهما من صنع شركة لوكهيد مارتين.

وليس خفياً أن لهذا القطاع لوبي نافذاً في واشنطن يسعى دوماً لتحويل مصالحه الى سياسات. صفقات السلاح الأميركي ببلايين الدولارات باتت طقساً سنوياً كالحج والعمرة لبعض الدول العربية. هو لوبي ناجح.

ووَصْف تانر سوريا بأنها ”مسرح“، يعني أنها حرب قادرة على خلق ظروف مواتية لبيع منتجات جديدة. وبما أن الروس وحلفاءهم يستخدمون أحدث الصواريخ والمقاتلات الروسية، فإن على زبائن المنتجات الأميركية تجديد ترسانتهم بأسرع وقت كي لا يفوتهم قطار المنافسة. والتحدي المتواصل لمنتجات الخصم، يُسرّع عملية انتاج طائرات وأسلحة أكثر تطوراً لتلبية الحاجة المتسارعة للسوق. 

هذه وظيفة تجارية تؤديها سوريا المسرح بامتياز.

بالأمس مثلاً، أسقط التحالف بقيادة الولايات المتحدة طائرة روسية الصنع للقوات الجوية السورية. بعد الرد الروسي المرتقب، باستخدام أسلحة أكثر تطوراً، قد يأتي دور استعراض جديد لمنتجات أميركية حديثة، وهكذا دواليك.

وهناك شركاء أصغر في هذا المسرح الاستعراضي للأسلحة. ايران مثلاً استخدمت بعض منتجاتها العسكرية الجديدة في معارك سورية، كان أبرزها أخيراً حلب الشرقية حيث رُصدت آليات سفير وقناصات شاهين وغيرها من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.

حتى الصين، وهي خامس أكبر مُصدّر للأسلحة في العالم، لها حصة في المسرح السوري. في السنة الثالثة للحرب السورية، ظهرت صواريخ ”أف أن 6“ في أيدي معارضي النظام المدعوم من بكين. حينها، استخلص تحقيق لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية أن السودان منشأ الصواريخ، إذ أعاد بيعها الى الثوار بعد شرائها من الصين. ولم تجد صحيفة ”غلوبال تايمز“ الصينية الحكومية عيباً في استخدام معارضي النظام هذه الأسلحة، بل اعتبرته تطوراً ايجابياً، إذ ربطت بين استمرار تصديرها واستخدامها. ذكرت الصحيفة: ”بالنسبة الى مستقبل التصدير، على الأسلحة الصينية أن تُستخدم في حروب أكثر لاثبات قيمتها … والإصابات الأخيرة اثبات على أن (أف أن 6) يُعتمد عليه، وهو سهل الاستخدام، سيما أن الثوار لم يتلقوا تدريباً على استخدام أنظمة الصواريخ“. 

في خطاب شركات السلاح وأصحابها، يختفي الكلام المشحون، ويترفع الجميع عن السياسة. هنا، لا تُقدر الاختبارات بثمن، كما قال الرئيس الروسي. ولا يهم من يحمل السلاح بالنسبة للصين، بل الأولوية أن يُستخدم ويُستعرض للزبائن المحتملين. والتصعيد فرصة دائمة للوكهيد مارتين.

وبالتالي، كلما ارتفع عدد الضحايا، ازداد الايمان بالفاعلية والدقة. هم فئران في حقل تجارب، موتهم نجاح، واقتتالهم فرصة ذهبية يجب إطالة أمدها حتى يضجر الزبائن.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها