الجمعة 2017/05/12

آخر تحديث: 07:17 (بيروت)

التهديد بالمهدي

الجمعة 2017/05/12
increase حجم الخط decrease

 

ما الفارق بين تهديد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله خصومه بظهور المهدي وشن حرب بلا هوادة عليهم، وبين رفع شعار تحرير فلسطين لقمع الحريات وترديد مقولة ”الرد المناسب في الوقت المناسب“؟ 

كلاهما يستخدم المُجرّد لتحقيق أهداف واقعية، إن كانت خدمة ايران، أو قوى اقليمية أخرى تتسلط على سكان المنطقة، أو قمع الشعوب باسم قضايا قومية ووطنية في بعض الحالات.

ولن يجد الواحد منا دليلاً أفضل من سلم التجريد لتحليل مثل هذه الخطابات الحبلى بالشعارات. بيد أن هذا السلم الذي فصّله هياكاوا في كتابه ”اللغة في الفكر والفعل“، صاعداً من المحدد الى المجرد، خير مساعد على تفكيك خطابات الممانعة بكل أصنافها، إن كانت إلهية أو وطنية أو قومية.

مثلاً، في فقرة الهجوم على السعودية، كان يرد الأمين العام دفاعاً عن ايران ضد دولة عربية، لا مبالياً بمصالح لبنان واللبنانيين. عشرات آلاف اللبنانيين يقطنون السعودية للعمل فيها، لكن مصائر هؤلاء ليست بالحسبان. الحديث عن المهدي مجرد، لكن انعكاسات مثل هذا الخطاب محلية.

في خصوص الجدار الاسرائيلي، هناك قسمان. أولاً، اعتراف بأن الاسرائيليين شيّدوا في السنوات الماضية بعض الجدران وأقاموا شبكات انذار متطورة جدا على الحدود. هذا واقع مُحدد. لكن الخطاب يقع في التحليل:

”من دلالات هذا الجدار الذي سيرتفع عند الحدود أولا اعتراف اسرائيل بانتصار لبنان الساحق واعتراف بهزيمة اسرائيل ومشاريع اسرائيل وأطماعها، واعتراف بسقوط مشروع اسرائيل الكبرى التي ارادوها من النيل إلى الفرات“. أين المشروع الاسرائيلي الأبدي للتوسع باتجاه حدود النيل والفرات؟ هو مشروع غير حاضر في السياسة الاسرائيلية منذ فترة، لكن المُحدد في هذا الكلام أن حزب الله يرغب في تجيير حتى أي تحرك اسرائيلي، ضمن قائمة الانجازات. يعني لو ركّب الاسرائيلي دفاعات جوية متقدمة وقادرة على اسقاط الصواريخ مثل القبة الحديد، فإن هذا انتصار للمقاومة لأنها أرغمت عدوتها اللدود على التزود بمثل هذا السلاح.

وإن لم نكتف بهذا القدر من التجرّد، فإن هذه الفقرة الآتية كفيلة بتعزيزه: “هذه اسرائيل العظمى التي تفرض شروطها على شعوب والمنطقة وحكوماتها دون تفاوض حتى، هذه اسرائيل العظمى قد سقطت، لأن اسرائيل وجيشها ومخابراتها عندما تختبىء خلف الجدران العالية أصبحت اسرائيل الضعيفة وأصبحت دولة كبقية الدول، إذا هذا تطور استراتيجي في مشروع المقاومة.” في سلم التجرّد، اسرائيل دولة ضعيفة وقد سقطت عظمتها، لأنها وبتعزيز دفاعاتها تُحقق نصراً استراتيجياً للمقاومة.

وهذا النصر الجديد ليس محصوراً فقط بلبنان، مثل نصر عام 2006، بل عابر للحدود، كما يقول نصر الله: ”من دلالات هذا الجدار الذي سيرتفع عند الحدود أولا اعتراف اسرائيل بانتصار لبنان الساحق واعتراف بهزيمة اسرائيل ومشاريع اسرائيل وأطماعها“. من سمات هذا الانتصار الساحق، إلى جانب هزيمته اسرائيل، تدميره مشروعها التوسعي من النيل الى الفرات وأطماعها.

فيما كان يُلقي نصر الله خطابه، اخترقت مجموعة مقرصنين رقم تلفون المكتب الاعلامي للحزب، وبدأت باجراء اتصالات وبعث رسائل منه. حتى هذه هزيمة بالمعايير السابقة. 

ربما اعتدنا في لبنان على خطابات الممانعة والمواجهة، لكن هناك منطقاً مجرّداً يتقدم باتجاهنا من تهديد الخصوم بالمهدي، إلى هزيمة الاسرائيليين بلا حرب، ولكليهما أثمان داخلية لم نعد قادرين على سدادها. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها