الإثنين 2017/04/03

آخر تحديث: 15:57 (بيروت)

عن نسبية المجتمع المدني

الإثنين 2017/04/03
عن نسبية المجتمع المدني
إذا كانت القوى المدنية صادقة، لماذا لا تقترح شروطاً تمنع الغلبة الشيعية أو المارونية؟ (غيتي)
increase حجم الخط decrease
أزمة قوى السلطة حول القانون الانتخابي مستفحلة منذ أكثر من خمس سنوات. فكل طرف يريد قانوناً على مقاسه، نتائجه محسومة سلفاً. ماذا عن "القوى المدنيّة"، وهل هي خارج انقسامات القوى السياسية؟ إذا كانت هذه القوى لا تعمل وفق الأجندات السياسية، فلماذا لم تبادر إلى وضع تصوّرات حول النظام الانتخابي الأمثل للبنان؟

حسناً، طُوِي ملف السلسلة وكيفية تمويلها، وعاد الصراع إلى جبهة القانون الانتخابي، وما زال دور القوى المدنية هامشياً في هذا الشأن. إذ تكتفي بالمطالبة بالنسبية الكاملة، سواء على مستوى لبنان دائرة واحدة أو بدوائر كبرى، فتقاطعت مع ما يطالب به "حزب الله" ليلاً نهاراً. علماً أنه لو أخذنا القوى السياسية الطائفية كلها، وكيفية توزّع ناخبيها، نجد أنّ الطائفة الشيعية وحدها تملك كتلة ناخبة متماسكة ووازنة، وتملك قوة تجيير أصوات بطريقة منظّمة تصل إلى أكثر من 500 ألف صوت في البقاع والجنوب، من دون اللجوء إلى أي تحالفات. أي أن الثنائي الشيعي يستطيع السيطرة، منفرداً، على أكثر من 30% من مقاعد مجلس النواب مع النظام النسبي على أساس لبنان دائرة واحدة. فكيف ستكون الحال في ما لو تحالف مع الحليف وحليف الحليف؟

مشكلة القوى المدنية تكمن في ترداد شعار النسبية، من دون حتى الإلتفات إلى أن الأخيرة لا تؤمّن عدالة التمثيل في لبنان. ولا مراجعة نقدية لمدى خطورة تطبيق النسبية الكاملة على الوضع الراهن في لبنان. أولاً، لناحية وجود غلبة طائفية لقوى معينة. ثانياً، لكون النسبية ستؤدي إلى تضخيم حجم هذه القوى في السلطة على حساب بقية المكونات. وثالثاً، لكون النسبية ستؤدي إلى فوز كاسح للأغلبيّات على حساب القوى المدنية التي يرجّح أنها لن تحصل إلا على فُتات المقاعد. إذاً، فكيف نقول إنّ النسبية الكاملة تؤمن عدالة التمثيل في لبنان؟

حسناً، لكن هل هناك أنظمة انتخابية، غير النسبية، تؤمن عدالة التمثيل؟ واستطراداً، هل نريد نظاماً انتخابياً يؤدي إلى تمثيل شرائح المجتمع كافة، من دون تغليب طرف على آخر، وبلا ضبابية، ولا تكون نتائجه محسومة سلفاً؟ هل نطمح إلى أن يكون النائب ممثلاً للأمّة جمعاء؟ هل نريد للناخبين أن يقترعوا لمن يشاؤون من المرشحين على امتداد الوطن؟ النقاش المدني غائب في هذا المجال. لكن كيف يعود النقاش المدني إلى ساحة القانون الانتخابي؟ بالإكتفاء بالمطالبة بالنسبية؟ أم باجتراح البديل، ومحاولة وضع تصورات حول النظام الانتخابي الذي يحدث تغييراً في الحياة السياسية من ناحية، ولا يغلّبُ طرفاً طائفياً ويضخّم حجمه على حساب طرف آخر من الناحية الثانية؟

إذا كانت القوى المدنية صادقة في مزاعمها، لماذا مثلاً لا تضمّن النسبية الكاملة شروطاً تمنع الغلبة الطائفية الاسلامية الشيعية أو المسيحية المارونية؟! كأن يُصار إلى المطالبة باعتماد نظام انتخابي نسبي وفق قاعدة لبنان دائرة واحدة، مع شرط فرض نسبة مرشحين على كل لائحة، لا تتخطى 33.33% من مقاعد المجلس النيابي الـ128. علماً أنه يمكن تطبيق هذه القاعدة وفقاً للنظام الأكثري الذي يُعرف بنظام "الصوت المحدود"، والذي نعتقد بأنه أفضل من النسبية. أي بمعنى آخر، نظام لا يُقصي أطرافاً سياسية وازنة من ناحية، ولا يؤدي إلى هيمنة الأغلبيات من ناحية ثانية.

ولكي لا ندخل في إعادة تقسيم المحافظات واللعب بالدوائر الانتخابية، ولكي نعطي المواطن حق الاقتراع على المستوى الوطني، ولكي لا نضخّم قوى سياسية على حساب غيرها، ولكي تستطيع القوى المدنية تشكيل لوائح منافسة للوائح السلطة، فإن النظام الذي نقترحه نسبي مع صوت محدود على أساس لبنان دائرة واحدة. لكن، وبهدف الحفاظ على المناصفة بين الطوائف والمناطق نبقي على التوزيع الحالي للمقاعد.

كيف يتحقق ذلك؟ بالعمل على هندسة اللوائح الانتخابية، لا الدوائر. مثلاً بإلزام كل اللوائح بعدد مرشحين يوازي نسبة 33.33% من عدد مقاعد البرلمان، كحد أقصى، وهذا ينطبق على كل لائحة على حدة. وبالتالي، ستتصارع في لبنان أكثر من أربع لوائح على المستوى الوطني. وستكون القدرة القصوى لأي أغلبية بالسيطرة على 33.33% فقط من إجمالي المقاعد النيابية، أي 43 مقعداً.

ولكون هكذا نظام قد يؤدي إلى تشكيل لوائح كثيرة على المستوى الوطني، فإنه سيلزم القوى الكبرى بتجيير أصواتها للائحتها حصراً. ويفسح المجال للقوى "الوطنية"، أو التي تدّعي ذلك، لتشكيل تحالفات عريضة، قادرة على منافسة حتى الثنائي الشيعي. فمنحُ اللبنانيين جميعاً حق الاقتراع العام لأي لائحة، سيلزم القوى السياسية والمدنية كافة بعَقد تحالفات وطنية وجمع القوى السياسية الضعيفة حولها. وستكون كل القوى السياسية مُلزَمة بتقديم مرشحين من كل الطوائف، أو أغلبها، في كل لائحة.

لكن هناك ضرورة تقنية لتطبيق هذا النظام، تكمن في جعل مقاعد المجلس النيابي 129 بدلاً من 128 مقعداً. يضاف هذا المقعد مثلاً للطائفة السريانية، التي يصل عدد ناخبيها إلى 38 ألف ناخب ولا تملك أي مقعد، بينما الطائفة الإنجيلية لها مقعد رغم أن عدد ناخبيها يربو على 15 ألف ناخب. أما إحتساب الحاصل الانتخابي، الذي على أساسه يتمّ توزيع المقاعد على اللوائح، فيكون وفق قاعدة تقسيم عدد المقترعين العام على 129، أي عدد مقاعد المجلس. وبمعزل عن المسائل التقنية في كيفية عمل هذا النظام، والتي تحتاج إلى مقالة منفصلة، فإن هذا النظام، بنتائجه غير المحسومة سلفاً، يمنع الغلبة الطائفية من ناحية، ويؤدي إلى تشكيل قوى سياسية خارج الإصطفاف الحالي كونه يشجّع على تشكيل العديد من اللوائح على المستوى الوطني.

فهل تخرج القوى المدنية من الإصطفاف الايديولوجي الحالي الذي يقدس النسبية، وتبدأ العمل على وضع طروحات انتخابية غير محسومة النتائج... وبلا عواقب وخيمة؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها