الجمعة 2017/03/31

آخر تحديث: 16:43 (بيروت)

خطايا جنيف 5 وأخطاره

الجمعة 2017/03/31
increase حجم الخط decrease

أجواء جنيف5، وما يرشح عنه من اخبار ومجريات في الكواليس، تبدو سيئة للسوريين الذين دخلت قضيتهم قبل أسبوعين عامها السابع، عاشوا فيها ابشع أنواع الكوارث، التي امتدت تفاعلاتها مابين قتل واعتقال وتهجير، وبين تدمير للممتلكات الخاصة والعامة بما فيها قدرات الدولة والمجتمع السوريين، وهم املوا من جنيف5، كما املوا مما قبله، ان يفتح الباب على حل سياسي للقضية السورية، يأخذهم في اجراءاته الأولية نحو وقف القتال والهجمات على المدنيين، ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة، والسماح بمرور المساعدات اليها، واطلاق المعتقلين والمخطوفين باعتبارها مقدمات لبناء الثقة في رحلة حل سياسي، يأخذ السوريين عبر مرحلة انتقالية، يتشارك فيها بعض من المعارضة والنظام، ليس فقط من اجل رسم ملامح الحل السياسي الذي يأخذ سوريا الى بناء نظام ديمقراطي، يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين، وانما أيضا لمواجهة تداعيات التطورات الداخلية العاجلة في القضية السورية وفيها  اربع نقاط رئيسية، عودة المهجرين واللاجئين الى ديارهم، وإعادة تطبيع حياتهم، وإخراج المليشيات والمقاتلين الأجانب من البلاد، والمضي في طريق محاربة الإرهاب والتطرف وجماعاته ولاسيما "داعش" والنصرة.

وسط تلك الآمال، فكر السوريون او لنقل كثير منهم، ان جنيف5، ينبغي ان يكون مختلفاً عما سبقه. وقد تغذت تلك الامال على معطيات متواضعة، لان احتمال المعطيات الكبيرة في القضية السورية صارت بعيدة، لكثرة الايدي الضالعة فيها، وبسبب تصارع المصالح المحلية والإقليمية والدولية، وكان الأبرز في المعطيات المتواضعة، ان جرى ضم ممثلين عن المعارضة المسلحة الى طاولة المفاوضات، وإقرار اتفاق لوقف اطلاق النار بضمانة دولتين فاعليتين هما روسيا وتركيا، وحضور منصات المعارضة الثلاثة الى جنيف4، والاتفاق على موضوعات التفاوض بين النظام والمعارضة، او ماسمي بسلال التفاوض الأربعة، الحكم والدستور، والانتخابات، والإرهاب. ورغم ما أحاط بهذه النقاط من صعوبات سياسية وتنفيذية، فانها في نظر كثير من السوريين ومتابعي القضية السورية والمتصلين بها، تمثل تطوراً ايجابياً، ولو بحدود معينة.

غير ان تلك التطورات الإيجابية على محدوديتها، لم تقابل بروح المسؤولية من جانب الأطراف المنخرطة في الصراع السوري الداخلية والخارجية، بل ان رعاة المساعي الى حل سياسي، لم يجسدوا مساعيهم بصورة عملية، ولم يقوموا بخطوات من شأنها الدفع الجدي باتجاه الحل. فنظام الأسد وحلفاؤه، لم يلتزموا باتفاق وقف اطلاق النار، ولم يوقفوا سياسة التجهير القسري لسكان المناطق المحاصرة في الوعر، ولم يتوقف بعض المتدخلين عن تدخلاتهم بمشاركة وسطاء دوليين في عملية التغيير الديمغرافي المتواصلة  في سوريا، معبراً عنها في اتفاق أخير حول تبادل سكاني في اربع مدن هي كفريا والفوعا في ريف ادلب، ومدينتي الزبداني ومضايا في ريف دمشق الغربي، فيما يواصل نظام الأسد بث معزوفاته في الاشتراطات، ورفض الدخول في مفاوضات مباشرة، وابداء احتقاره للمجتمع الدولي، ورفضه استقبال ديمستورا في دمشق.

وحال المعارضة لم يكن أفضل، ولا كانت على قدر مناسب من المسؤولية في التعامل مع جنيف4، ولاهي غيرت سلوكها في جنيف5، فقد استمرت سياسة تدافعها سواء بين الافراد، او المجموعات من اجل الذهاب الى جنيف والحصول على مقعد فيه، الامر الذي تسبب متزامناً مع ضغوطات خارجية في تشكيل وفود ضعيفة ومتهافتة، ولا خبرات لها. ورغم ان تلك الوفود قدمت للمبعوث الدولي رؤيتها ل"الحل السياسي" معتمدة على نصوص، أنجزت في وقت سابق، فان نقاشها للقضايا المطروحة حول "الحل السياسي" كان أضعف من تلك الرؤية، وكانت متناقضة معها في كثير من الاقوال والتصريحات بمافيها تصريحات على الاعلام.

خربطات المعارضة في جنيف5 وما قبله، شملت جميع اطرافها دون استثناء، لكن اكبرها كان له الحظ الأكبر. حيث خلافات واختلافات بين مكونات وفد الهيئة العليا، وهو أمر كان من المفروض، ان لا يظهر الى العلن على الأقل، والأهم ان صراعاً اندلع بين وفد الائتلاف والهيئة العليا حول تبديل أعضاء من الائتلاف مع الأخيرة، لكنها رفضت، مما دفع الأئتلاف لنقاش الانسحاب من الهيئة، لكنه لم يصل لقرار على عادته في نقاش المسائل الحساسة، رغم وجود أعضاء في هيئته السياسية، يسعون بكل قوتهم واساليبهم، وفق كواليس جنيف5، للحلول محل آخرين في وفد التفاوض تحت أي شرط كان، بمافيه تخليهم عن مضمون وثيقة "الحل السياسي"، التي قدمت لديمستورا، وهو اتجاه تؤكد كواليس جنيف انه حاضر، وينمو تحت الضغط الدولي الذي وصل حدود التهديدات.

وينقلنا الامر الأخير الى موضوع الوجود الدولي في جنيف، وقد كان الروس الأهم فيه، والبقية على هوامشه في تمثيلهم وفي ممارساتهم، لكن الجميع شاركوا في الضعط على المعارضة ووفد الهيئة العليا بصورة خاصة، بدل ان يضغطوا على النظام الذي تهرب في السابق، كما في الحالي من أي التزامات، يمكن ان تعزز مسار الحل السياسي، والضغط لم يقتصر على ممثلي الدول، بل كان ديمستورا وفريقه في عداد الضاغطين، وأحد الأسباب، يكمن في تهافت بعض المعارضين، واصرارهم على الوجود في جنيف بغض النظر عن مخرجاته المحتملة، والسبب الثاني جلافة موقف النظام، واصراره على الإبقاء على مواقفه بدعم روسي واضح، ومسايرة من مبعوث الأمم المتحدة الراغب في تحقيق "تقدم" ما، ولو كان على حساب الشعب السوري ولمصلحة نظام الأسد وحلفائه.

بؤس الموقف الدولي في جنيف5 وقبله جنيف4 في احد أسبابه، يعود الى التباسات الموقف الأميركي، مما يجعل الروس ونظام الأسد مستمرين في مواقفهم، ويدفع الاوربيين الى البقاء في حذرهم، بل في ميلهم الى مسايرة الروس، وفي الأقل عدم التمايز عنهم، وهو امر لن يتحقق، طالما لم تعلن الإدارة الأميركية موقفها الواضح في القضية السورية، ولايقيم الاوربيون وزناً للمؤشرات، التي باشرتها واشنطن في سوريا للدلالة على انغماسها أكثر في سوريا سواء في تغيير طبيعة مهمات قواتها هناك، او في ارسالها مقاتلين واسلحة، صارت حاضرة في ساحة الصراع السوري.

جنيف5 على بوابة نهايته، فيه كثير من الخطايا، وفيه أخطاء قاتلة، تهدد لو استمرت قضية الشعب السوري ومساعيه من اجل الحرية والكرامة، وما قدم من تضحيات في أعوام مضت، وقد بات الامر يتطلب تحركاً جدياً من قبل السوريين ونخبتهم، وأصدقاء الشعب السوري الحقيقيين من اجل ان لا تذهب  مساعي السوريين وتضحياتهم سدى.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها