الأحد 2017/03/19

آخر تحديث: 11:28 (بيروت)

مجلس رجالي مريح

الأحد 2017/03/19
increase حجم الخط decrease
"مجلس رجالي"، هذه النتيجة الأولى التي تلحظها العين عند قراءة أسماء الفائزين في انتخابات مجلس ونقيب الصحافة المصرية. لم تستطع حنان فكري، السيدة الوحيدة في المجلس السابق، أن تكرر فوزها في انتخابات المجلس الجديد يوم الجمعة. حنان قبطية أيضاً. ما يعني، في مثل هذه الحالات، أن وجودها في المجلس كان يضرب عصفورين "فئويين" بحجر واحد. النتيجة الثانية، هي أنه باستثناء عمرو بدر، صحافي "الدستور" سابقاً ورئيس تحرير "بوابة يناير" المستقلة حالياً، ومحمد سعد عبد الحفيظ، مدير تحرير جريدة "الشروق"، فقد هيمنت على مجلس النقابة، المؤسسات الصحافية القومية بأذرعها الأقوى: "الأهرام" و"الأخبار" و"مؤسسة التحرير" التي تصدر جريدة "الجمهورية". وذلك ليس في ما يخص الأعضاء الفائزين يوم الجمعة – ونقيبهم- فحسب، بل في بقية أعضاء المجلس أيضاً. فانتخابات الجمعة كانت التجديد النصفي. ثمة أعضاء آخرين انتخبوا قبل عامين ويستمرون وفقاً لقانون النقابة حتى العام 2019، بينما النقيب- وهنا بعض العجب- يُنتخب لعامين فقط.

غير أن مسألة الانتماء إلى مؤسسة صحافية رسمية، لا يعني مباشرة الانتماء إلى الخط السياسي الرسمي. فالواقع إن يحيى قلاش، مرشح ونقيب "تيار الاستقلال" عن الدورة السابقة، ينتمي هو نفسه إلى مؤسسة التحرير - "الجمهورية" القومية، وحين أعلنت النتيجة لمقعد النقيب بفوز عبد المحسن سلامة، مدير تحرير "الأهرام"، ووكيل النقابة سابقاً في إحدى دورات عهد مبارك، رفع سلامة يده بيد قلاش معلناً "وحدة الصحافيين". الرجلان من المؤسسات القومية شبه الرسمية، التي تهيمن على جدول عضوية النقابة، وكذلك على "أعضائها الأكبر سناً"،  أصحاب الخبرات النقابية الأوسع، بحكم السن والتجربة. معظم "شباب الصحافيين" ينتمون إلى مؤسسات صحافية، مستقلة لم يبدأ تأسيسها إلا خلال العقدين الأخيرين، ومعظمها تعرّض في ما بعد للتوقف لأسباب مختلفة، مالية غالباً، سياسية أحياناً، والحديث هنا عن شباب الصحافيين أعضاء النقابة. فمعظم شبان الصحافة المصرية والعاملين فيها بصفة عامة ليسوا نقابيين. هي "نقابة النخبة" كما يسميها البعض، وليس للمسمى هنا معنى فكري أو طبقي، بل معنى رسميّ فحسب، مستمدّ من صعوبة الالتحاق بها. إذ ينتمي إلى نقابة الصحافيين المصرية ما لا يزيد عن حوالى  ثمانية آلاف عضو، صوّت أكثر من نصفهم في انتخابات الجمعة. وعدد العاملين الحقيقي في مهنة الصحافة يصل إلى ضعفيّ هذا الرقم على الأٌقل. وكلاهما، النقابي وغير النقابي، رقم ضئيل قياساً إلى بلد التسعين مليون نسمة. ربما لأن الجرائد مجتمعة، لا تبيع ما يزيد عن مليون نسخة، توزعها 22 جريدة ورقية يومية، منها 12 خاصة و9 حكومية، وواحدة حزبية. ورغم غلبة الخاص والحزبي على الرقم الإجمالي، إلا أنهما يقتسمان السوق بالتساوي تقريباً. لكن الوضع ليس نفسه في النقابة، وهذ سر آخر من أسرار تقسيمة المجلس الجديد.

ينتمي خُمس عدد الأعضاء المسجلين في نقابة الصحافيين إلى مؤسسة "الأهرام" وحدها، ويصل عدد صحافيي المؤسسات القومية إلى أكثر من 60% من أعضاء النقابة. وهذا ما يفسر نجاح "قرار الأهرام" باستعادة منصب نقيب الصحافيين لمرشحها عبد المحسن سلامة. فالواقع أن يحيى قلاش حصل تقريباً على عدد الأصوات نفسها، أي "أقل قليلاً من 2000 صوت"، والتي اقتنص بها مقعد النقيب في الانتخابات السابقة أمام منافسه آنذاك ضياء رشوان، الذي حصد "أكثر قليلاً من 1000 صوت". حقق قلاش، إذن، الأًصوات نفسها، لكن أًصوات المنافس  تضاعفت هذه المرة لتصل إلى 2500 صوت، أتاحت له حسم مقعد النقيب.

واستطاعت "الأهرام" بقرارها أن "تحشد" صحافييها لتحقق زيادة في  إجمالي عدد المصوتين، وزيادة في مقاعدها في المجلس في الآن نفسه، بما فيها مقعد النقيب. كما ساعد هذا الحشد في هزيمة رئيس لجنة الحريات، خالد البلشي، رغم أن أًصواته ازدادت بمقدار 60% عن الدورة السابقة. كل من البلشي وقلاش اعتُبرا – في نظر الكثير من أهل الصحافة القومية – بأنهما يسيّسان النقابة، وهو "اتهام" يوجه عادة إلى كل من يحاول أن يجعل النقابة تتجاوز دور نادي الخدمات والرحلات والعلاج. وكانت "جريمة" قلاش والبلشي، أنهما "سمحا" بوضع تقتحم فيه قوات الأمن مقر النقابة لاعتقال صحافيين معتصمين بداخلها. بهذا المنطق المقلوب، تمت إدانة المعتدَى عليه، بدلاً من المعتدِي.

هكذا، حين أعلن النقيب "الأهرامي" الجديد في برنامجه، "استعادة هيبة النقابة"، فإنه لم يعنِ اتخاذ موقف أقوى من موقف قلاش (الذي أتاح للصحافيين "المطلوبين" الاعتصام  في النقابة)، ولا تعني "الهيبة" – مثلاً- منع قوات الأمن من الاقتحام، بل تعني عدم وصول الوضع إلى ما صار إليه. فكيف يُفهم ذلك إلا في سياق منع الصحافيين، من الأساس، من الاعتصام في نقابتهم؟ ومن سخرية القدر، أن الصحافيّ الذي عوقب المجلس القديم تصويتياً بسبب محاولة حمايته، وهو عمرو بدر، نجح في دخول مجلس النقابة. ربما لأن "الحشد القومي" في التصويت ركّز على أصوات "الكبار" وتفتتت أصواته في مقاعد الشباب من سن عمرو، والذي قضى بعد اعتقاله من داخل النقابة حوالى أربعة شهور في سجن طرة، بتهمة التحريض على التظاهر ضد التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية.

قبل عام، احتفلت نقابة الصحافيين بيوبيلها الماسي، واندلع  بين أعضائها جدل حول "دعوة الرئيس السيسي" لحضور الاحتفال. وانتهى الأمر آنذاك بعدم حضور الرئيس والاكتفاء "برعايته" الحفلة التي حضرها عدد من الوزراء. اليوم، ربما يرفض النقيب الجديد القول صراحة بأنه "مرشح الدولة"، لكن المؤكد أن  السيسي  كان ليكون أكثر راحة، وقابلية لحضور الاحتفال، لو كان سلامة في مقعد النقيب العام الماضي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب