السبت 2017/12/23

آخر تحديث: 11:47 (بيروت)

الحسناء وإسرائيل

السبت 2017/12/23
الحسناء وإسرائيل
increase حجم الخط decrease
هذا التهاب سوري جديد.
سادت صور ثلاث على صفحاتنا في ساحات التواصل الاجتماعي الملطخة بالقلوب الحمراء، الصورة الأولى لجندي يسرق تفاحتين فقط، لا غير، من عربة بائع فلسطيني، وكانوا ثلاثة جنود. والثانية صورة ملحمية لطفل فلسطيني، معصوب العينين، يؤسر بجحفل لجب من الإسرائيليين المدججين بالسلاح والعتاد. والصورة الثالثة لفتاة فلسطينية اسمها عهد، شقراء جميلة، صورت من عدة زوايا، وكأن المصورين يحضرونها لملصق فلم سينمائي، وفي الصور الثلاث شعر ورومانس للربيع العربي السكران، وفيها ابتلاء كبير ومحنة.

اعتذر جيش الاحتلال عن صورة السرقة، وقيل إن اللص سيعاقب، وشجبَ السرقة. وزعم أنها ليست أخلاق الجيش الإسرائيلي الفاضل، فالأخلاق الكريمة هي سرقة أرض كاملة. ولم أسمع تبريرات أخرى كالتي نسمعها في بلادنا الشمّاء، التي ابتليت بنظم أقسى من الاحتلال وأنكى، كأن يقال: إنها أخطاء فردية، أو أخطاء مطبعية، أو صور مزوّرة ومفبركة. ومن العدل القول: إن الجندي سرق تفاحتين، ولم يدفع العربة بقدمه، أو يحطمها، ويدوس عليها كما في مشهد أفلام السينما الهندية. سرقته كأنها مزحة. وهو الوحيد الذي سرق بين زملائه، وهي اختلاس يمكن تلمس شعور الجندي بذنبه. وفي فلم “ذئب وول ستريت" يغضب جورادن ويلفورت، بطل الفلم المحتال من عنوان مجلة فوربس، التي صدرت صورته قائلة: هذا ذئب وول ستريت، فقالت له زوجته: لا تبتئس، إنها دعاية، فلا شيء يذهب هدراً، وصدقت في قولها، فيمكن للإعلام العالمي تصدير صورة الأسد على أن بطل محاربة الإرهاب بعد أيام، وأوشكت على ذلك بل إن ماكرون قالها بصراحة. ولاشي يذهب هدراً. الإعلام له قدرة سحرية، وقادر على تحويل الأفعى إلى حبل، والحبل إلى أفعى. في هذه الأيام يصنعون من قشور الفواكه المربيات والأدوية واللقاحات، فلعل التفاحة لمّعت صورة الجندي الإسرائيلي الشاعر، الذي يحبّ أكل التفاح في أثناء مكافحة الإرهاب.

لقد سقطت تفاحة الجاذبية الأرضية على إسرائيل، كما سقطت ذات مرة على نيوتن.

الصورة الثانية، كانت للطفل فوزي الجنيدي، البالغ من العمر ستة عشر سنة. التقطتها عدسة المصور الفلسطيني وسام الهشلمون، ورسمتها ‏الفنانة الإيطالية أليسا بيلونزي بألوان العلم الفلسطيني، وفيها مفارقة كبيرة، فالمعتقل ولد، والآسرون كبار، وهو أعزل، وهم مسلحون، وهو وحيد، وهم جيش مدجج، وهو يشبه أرضه، وهم يشبهون أراض بعيدة. هم خائفون، وهو يرفع بصره الأسير إلى السماء. اعتقل في منطقة باب الزاوية في ‎مدينة الخليل، وذلك خلال المواجهات التي اندلعت في الأراضي الفلسطينية، عقب قرار الرئيس الأمريكي المخلص الوفي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وفاءً من المنتخب لناخبيه، فهذه هي الديمقراطية الأميركية.

وكانت مصادر إعلامية أفادت بأن الجنود الإسرائيليين، ضربوه ورموه أرضاً مراراً، وداسوا عليه بأقدامهم بلا رحمة، قبل أن يقوموا باعتقاله، ويعصبوا عينيه خوفاً من نظراته، ونُقل إلى أحد المراكز العسكرية، ومن هناك إلى سجن عوفر في إسرائيل.

الصورة ستصير شعاراً، وذكرى مثل صورة فارس عودة، ومثل صور عشرات الأطفال الفلسطينيين الملحمية، كمحمد الدرة، وكأنها من خيال مسرف. وكالات الأبناء قابلت أهل الولد، وأخبرونا أنه يعول أسرة كاملة. وقال ناشطون: إن هذه المعاملة حلم في سوريا. السوريون يقارنون نظامهم بأسوأ الأمثلة فيرون الأسوأ فاضلا.

السوري في تعليقاته لا يقوم بشيء سوى بالمقارنة السياسية حتى لو كان يشاهد ناشيونال جيوغرافيك!

الصورة الثالثة الأوفر حظا، السوبر ستار، الخمس نجوم، هي لعهد التميمي، التي صارت تعرف في الصفحات السورية باسم ابنة عاشق الأسد، وقد صوّرت من زوايا مختلفة، وفي مشاهد طويلة وميلودرامية، قياسا إلى غيرها، وهي تظهر، وكأنها ذاهبة إلى حفلة، شعرها مضفور، وبلوزتها بيضاء في إحدى الصور، والعلم خفّاق. وتعتدي على الجندي الحليم الصبور الرؤوف، ترفسه، تضربه، ويكاد يقول لها: ضرب الحبيب زبيب. ويشك ناشطون في أن الإعلام العالمي يقوم بتشقير فلسطين السمراء، وبتأنيثها، وإن غرض الصور استئناس الجندي الإسرائيلي الكريم. ثم رأينا عهد في المحكمة، ليس مثل الصبية روان قداح، والصبية زينب الحصني. لتعترف اعترافات يندى لها جبين الشريف والنذل. ظهرت عهد في ثياب أنيقة، وشعر مضفور، وتبتسم أو تكاد للكاميرا، غير الخفية. طل الملوحي كانت من جيلها، وقضت ضعف مدتها، ولا تزال مجهولة المصير في زنازين الأسد. هذا ليس تشكيكا بإخلاص عهد، وأهلها، لكن مكر المحتلين لتزول منه الجبال، فنضال عهد يرضي معظم الأطراف الرسمية، و"العربية" سعيدة بها. و"الميادين" أكثر، ترامب لن يكسب معركة القدس، لكن عهد تطبيع جيد. والنشطاء على منصات التواصل، يقطعون العهد لعهد، وليس للبرغوثي ولا لسعدات ولا لفوزي جنيدي، أنهم على العهد!

بالأمس القريب حرقت إسرائيل غزة بالأسلحة المحرمة والمحللة، لكن السوري يقارن إسرائيل بنظام حكمه الذئبي، الذي دمر المدن، واعتقل مئات الآلاف، ونكل بالأطفال وبآبائهم وبأمهاتهم، والشجر والحجر والدواب والطير. وجنود بشار المتأله، يسرقون، ويعفشون كل شيء، من أجهزة الموبايل، حتى الدجاج والبقر، ويسلخون لحم الجدران عن الأسلاك النحاسية في بطونها، الوقائع موثقة بآلاف الشهادات والصور.

والجواب عن هذ السؤال، هو أن إسرائيل بلغت ما تريد، فقد احتلت واستقرت، وهي محصنة بقنابل نووية، ومعاهدات، وحماية دولية، وتطمع بالتطبيع، أما نظام الأسد، فخائف ومذعور. ومثله السيسي، إذا سقطا، لن يرحمهما أحد.

أحاطت إسرائيل نفسها بحرس وحوش، أمثال الأسد، ومبارك، والسيسي القساة الغلاظ، ويفترض أنهم أهل القدس المحتلة، كي يحرسوا اغتصاب إسرائيل لها، مقابل رئاسة الدولة، وإسباغ الشرعية الدولية.

كانت إسرائيل في مرحلة التأسيس، تقتل بيديها، لاحقاً بعد أن استقرت، وجدت كلاباً وفية، وصارت تفضل القتل من بعيد وبقفازات. دول مثل كندا، في آخر الأرض، اعتقلت ماهر عرار وغيره، وأرسلته إلى بشار الأسد من اجل استخراج اللؤلؤ من بطن المحار.

الحمّى السورية الجديدة اسمها حمّى المقارنة. إذا أردنا أن نقف على الأطلال سنقول: لقد سقطت تفاحة نيوتن على إسرائيل. نصوص التوراة تقول إن يعقوب سرق تفاحة الميراث والبكورية والعهد من أخيه عيسو الذي صار عبدا لأخيه.

احتال يعقوب على الأب إسحاق، الأعمى، مثل هذا العالم.


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب