الإثنين 2017/11/06

آخر تحديث: 10:33 (بيروت)

لبنان في حماية اللاجئين السوريين

الإثنين 2017/11/06
increase حجم الخط decrease

كان الأمين العام لـ”حزب الله“ حسن نصر الله شديد الصراحة في الفصل بين مواقفه من جهة، وأمن البلد واستقراره من جهة ثانية. المواقف ثوابت سياسية لا تتغير، على عكس أمن البلد واستقراره. هو يأسف لو تزعزع أمن البلاد واستقراره، ويتمنى على خصومه عدم الانجرار الى الفوضى، لكن المواقف غير قابلة للمساومة، بما أنها رهن المحور، صاحب الأفضلية على البلد بأسره.

وهذا الموقف قديم وظاهر منذ عام 2005. لا يهم إن تدمرت البلاد بأكملها في حرب ضروس مع اسرائيل، أو ذهب قطاع السياحة ومعه الاقتصاد أدراج الرياح نتيجة الانخراط في صراعات خارجية. هذه تفاصيل دنيوية لا تهم المؤمنين أصحاب الاستراتيجية.

في المقابل، قامت استراتيجية خصوم حزب الله على التخفيف من وطأة تمدد نفوذه، من خلال الحضور في الحكومة وتعزيز مؤسساتها. كان عنوان الانخراط دوماً الحفاظ على لبنان ومؤسساته، ومحاولة الحد من نفوذ الحزب. لذا، أبرم رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري والرئيس التنفيذي لحزب القوات اللبنانية سمير جعجع تفاهمين مع التيار الوطني الحر، أنهيا الفراغ بانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية.

ورغم الفساد المستشري في صفوف الفريقين ومواصلة الحزب انخراطه في الحرب السورية على أكثر من جبهة، شكّل استمرار الحكم التوافقي ضمانة للاستقرار والأمن، وحال بأقل التقديرات دون وقوع اعتداءات كبرى وانزلاق البلاد في دوامة الفوضى. مثّل الأمن انجازاً يتيماً لهذا العهد.

لكن هذا الانخراط في العمل الحكومي والسياسي الى جانب ”حزب الله“، كان من  ضحايا هذين اليومين الماضيين. ومعه أيضاً، بحسب كلام الحريري الذي لا يُشبهه، سقط التمييز بين لبنان وحزب الله في الخطاب السياسي المحلي. بات هناك كلام صريح عن سيطرة كاملة لحزب الله على مفاصل الدولة اللبنانية. وهذا كلام لم يكن يوماً مقنعاً لتيار المستقبل، حتى أن أحد القريبين من الحريري اعترض بعد يوم من الاستقالة على اعتبار أحد ضيوف حلقة تلفزيونية أن نصر الله صاحب النفوذ الأساسي وربما المؤثر الوحيد في البلاد.

وسبب عدم القناعة هنا سياسي بحت. بإمكان المستقبل القول إن الحزب أحكم سيطرته على مناطقه (الشيعية)، وربما توسع الى مناطق مختلطة عبر سرايا المقاومة التي احتفل نصر الله أمس بعيدها العشرين. والحزب صاحب النفوذ الأكبر، سياسياً، ولديه ميليشيات جاهزة للتدخل لو وقع ضرر عليه.

لكن ”المستقبل“ أحجم عن القول لمناصريه بأن ”حزب الله“ بات هو الدولة. كيف يفعل ذلك، وما زال التيار الأزرق صاحب النفوذ الأكبر في وزارة الداخلية وضمنها شعبة المعلومات. وأيضاً يملك نفوذاً متفاوتاً في بقية المؤسسات من الجيش إلى السلك الدبلوماسي.

والقول إن لبنان هو حزب الله، يعني عملياً التعامل مع البلاد بأكملها كرُزمة واحدة. الدولة هي ”حزب الله“، وكذلك الشعب والمؤسسات والاقتصاد. وهذا يفترض أننا جميعاً مسؤولون عمّا آلت اليه الأمور اليوم من تردي في علاقاتنا العربية، وبالتالي نستحق عقوبات اقتصادية، وربما توتراً أمنياً وسياسياً مفتوح الأجل حتى التوصل إلى حل اقليمي لا يلوح في الأفق.

وهذا خطاب تبناه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو سريعاً كالبرق عندما أعلن موقفه من استقالة الحريري، وربطه بالموقف الاسرائيلي من إيران. واللافت أن نتنياهو سارع الى مطالبة المجتمع الدولي بالوعي والمواجهة. هذا الموقف يتوافق أيضاً مع تصريحات المسؤولين الاسرائيليين خلال الفترة الماضية، والتي تعتبر الدولة (الجيش) والشعب في لبنان، خاضعين للحزب، وبالتالي يُمثلان أهدافاً مشروعة في أي حرب مقبلة.

العقبة الوحيدة أمام مثل هذا التصعيد لم تعد داخلية، بل تكمن في الرغبة الأوروبية والأميركية في استقرار لبنان لأن هناك أكثر من مليون لاجئ سوري فيه. لحظة انهيار الاقتصاد أو الأمن اللبنانيين، سيبحث هؤلاء اللاجئون عن مفر خارج البلاد، إما من خلال رحلات برية طويلة، أو سيُحاولون العبور الى الشواطئ الجنوبية لأوروبا عبر البحر. وأوروبا غير قادرة اليوم على استقبال موجة جديدة من اللاجئين والمهاجرين، سياسياً وحتى أمنياً، لا بل تبحث اليوم في اعادة بعض الموجودين على أراضيها.

المفارقة أن الخطابات السياسية العام الماضي كانت مملوءة بالهجمات والانتقادات بحق اللاجئين، من وزير الخارجية جبران باسيل إلى رئيس الحكومة نفسه. لكننا اليوم نجد أنفسنا في منظومة حماية دولية تقينا من رغبات اقليمية بالتصعيد، ليس كُرمى لعيوننا، بل لأننا في دولة تستضيف مليون لاجئ سوري وأكثر.



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها