الإثنين 2017/01/30

آخر تحديث: 07:11 (بيروت)

ترامب جُرعة صراحة أميركية؟

الإثنين 2017/01/30
increase حجم الخط decrease

وسط الصخب والجدل المحيط بقرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، هناك من يرى شفافية أكثر في واشنطن، لا تغييراً كبيراً حيالنا. وهذه نظرة باتت تستحق التأمل والتدقيق في ظل تقديم ترامب بلاده مظلومة ومُستهدفة من عالمنا ”الارهابي“!

ما حجم التغيير في سياسة ترامب حيالنا؟

صحيح أن ترامب أصدر قراراً رئاسياً يمنع مواطني 7 دول فيها غالبية مُسلمة من دخول الولايات المتحدة. لكن مواطني تلك الدول، وهي ليبيا وسوريا والعراق واليمن والصومال والسودان وايران، مستهدفون أصلاً في نظام التأشيرات، ما عدا بعض رجال أعمال ومترجمي الجيش الأميركي وطلاب جامعات أثرياء ونسبة قليلة من اللاجئين (بضع مئات فقط مُنعوا من السفر عبر مطارات دولية). ومعظم الاجراءات المشددة تعود إلى عهدي الرئيسين السابقين جورج بوش وباراك أوباما الذي فرض على كل من دخل الدول الآنفة الذكر تقديم طلب للحصول على تأشيرة.

ترامب يُطالب علناً بحصة أكبر من نفط المنطقة لقاء المجهود العسكري الأميركي. وفقاً لمنطقه، كان على الولايات المتحدة أخذ نفط العراق ونصف العائدات الكويتية بعد ”تضحيات“ حربي الكويت عام 1990 والعراق عام 2003. طبعاً، نفط العراق في ذروة سعره، تبخر بين جشع الشركات الأميركية وفساد المسؤولين المحليين. لكنه من قلة معرفته ودرايته، يلوم الرؤساء الأميركيين السابقين لعدم حصولهم على ”صفقة أفضل“ لواشنطن من زبائنها العرب.

ومنطق ”الصفقات“ هذا ينسحب أيضاً على ملفات أكبر من عالمنا العربي. بيد أن ترامب يشكو اتساع العجز التجاري مع الصين واليابان وغيرهما. لكن هل عقدنا في المنطقة صفقات جيدة مع الولايات المتحدة؟ هل لدينا توازن تجاري معها أو على الأقل توازن بين عجزنا المالي وبين تقديماتها لنا في السياسة؟

يُصعب التحدث عن ”عجز تجاري“ مع الولايات المتحدة لأن صادراتنا اليها شبه معدومة. مثلاً، بلد صغير باقتصاد ضعيف مثل لبنان، يُصدر بضائع بقيمة 92 مليون دولار الى الولايات المتحدة، ويستورد منها بقيمة مليار ومئتين وستين مليوناً، وفقاً لغرفة التجارة العربية-الأميركية. عملياً، تعاملنا التجاري مع الولايات المتحدة عجز بعجز لمصلحتها. حتى الدول المُستهدفة بالقرار الأخير لترامب، بذريعة الارهاب، لها عجز تجاري مهم نسبياً مع الولايات المتحدة. العراق يستورد بقيمة ملياري دولار، واليمن بقيمة 158 مليوناً، وليبيا 218 مليوناً والسودان 60 مليوناً. حتى الصومال الفقيرة تستورد بقيمة 50 مليوناً سنوياً من الولايات المتحدة. هذه الأرقام ليست كبيرة بالنسبة لاقتصاد الولايات المتحدة. لكننا 22 دولة عربية بينها اثنتان ضمن أكبر 20 شريكاً للولايات المتحدة. وعلاقتنا التجارية تصب في مصلحة الإقتصاد الأميركي. النفط يُسعّر بالدولار الذي يُشكل أساس احتياطات المصارف المركزية بالعملة الصعبة. 

وهذا الإختلال المتزايد أحد أهم أسس العلاقة مع الولايات المتحدة. صحيح أن ترامب يطمح لأن يزيد هذه الهوة الاقتصادية بيننا، لكنه أيضاً بالغ الصراحة في شأنها. يقول الأمور كما هي وبلا مواربة ولا أكاذيب عن حقوق الانسان ونشر الديموقراطية. 

فالأهم من الكلام عن التجارة والاقتصاد وحصة واشنطن من النفط، هو أننا أمام عجز هائل في الكرامة الانسانية مع الولايات المتحدة. منذ سبعينات القرن الماضي، لعبت دور حامي الاحتلال الاسرائيلي، عسكرياً وأمنياً واقتصادياً، وسجلت أكثر من 40 فيتو ضد قرارات تدينه في مجلس الأمن. صورتنا النمطية في الثقافة الغربية، ضاعفتها السينما الأميركية التي كانت آخر ابداعاتها تصوير منطقة الحمرا البيروتية، بلدة على أطراف البادية. وترامب سيجد أيضاً القليل ليفعله لدعم اسرائيل، إذ ماذا ينفع نقل السفارة الأميركية بعد وليمة الاستيطان المتواصلة تحت أعين ودعم الادارات الأميركية منذ عقود؟

يُصعب فهم هذه العلاقة لعدم وجود مثيل لها في العالم. هل تعرضت منطقة أخرى في العالم لهذا الكم من القصف والغزو والعقوبات مثل الشرق الأوسط؟ يكاد لا يمر يوم دون غارة أميركية بطيار أو دونه. لم ينس عراقيون كُثُر مجازر حديثة وساحة النسور وفتاة المحمودية التي اغتصبها جنود أميركيون ثم أحرقوا جثتها وجثث أفراد عائلتها ”الشهود“ (المتهمون الرئيسون بالجريمة مرشحون للخروج من السجن بكفالة بعد 9 سنوات من اليوم). وماذا عن سجن ”أبو غريب“ الذي ما زالت الادارة الأميركية تمنع نشر صور فظائعه؟ المتورطون في جرائم الاغتصاب والتعذيب والقتل داخل هذا السجن، اليوم أحرار. أكبر المدانين فيهم خرج عام 2011 بعد تمضية 6 سنوات في السجن. 

عام 2011، نشر مكتب التحقيقات الاستقصائية في الولايات المتحدة تقريراً أحصى 168 طفلاً قضوا في غارات لطائرات بلا طيار في باكستان. صحيفة ”ذي غارديان“ البريطانية نشرت تقريراً عام 2014 جاء فيه أن هذه الغارات استهدفت 41 رجلاً متهماً بالارهاب، لكنها قتلت معهم 1147 مدنياً. قتلت الولايات المتحدة 1147 بريئاً في عمليات استهدفت 41 رجلاً. هكذا بكل بساطة.

أليست هذه العلاقة مُختلة؟ لا شك في ذلك. وقد يفتح لنا ترامب بوقاحته مجالات لنراها على حقيقتها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها