الإثنين 2016/07/25

آخر تحديث: 08:07 (بيروت)

ضحايا ميونخ مذنبون!

الإثنين 2016/07/25
increase حجم الخط decrease

كانت جريمة ميونيخ يوم الجمعة الماضي، مملوءة بالغرائب. أولاً، أعلنت مصادر أمنية أن مُنفذ الاعتداء علي ديفيد سُنبلي، مُسلم مولود في ألمانيا ومن أصول ايرانية. طبعاً كان ذلك وحده كفيلاً لأن ينقض اليمين المتشدد بألمانيا وأوروبا والولايات المتحدة على الخصوم السياسيين بناء على فرضية أن ”داعش“ ومهاجرين أجانب وراء العملية. عصابات اليمين المتشدد بكل أنواعه وجنسياته الغربية، ملأت وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصاً ”تويتر“ برسائل الكراهية والتحريض على اللاجئين الأجانب والسياسيين اليساريين والوسطيين.

جاءت المفاجأة الأولى مدوية. سُنبلي لم يكن إسلامياً، بل متأثراً باليميني المتطرف أنديرس بريفك الذي قتل ٧٧ مدنياً في النروج. وبريفك ترعرع على دعايات اليمين الفاشي الذي تعج به ديموقراطيات أوروبا، ويتغذى من مذابح تنظيم ”داعش“ وسلوكيات اجتماعية محافظة لمهاجرين ولاجئين مسلمين.

لم يكتفِ سُنبلي بالبحث خلال الفترة الماضية في تفاصيل مذبحة النروج، بل وضع صورة بريفيك على بروفايل الواتساب الخاص به، مما يُظهر تعاطفاً ايديولوجياً معه. ولهذا علاقة على الأرجح بادعاءات الثقافة القومية الفارسية السائدة خصوصاً في أوساط الجاليات الايرانية في الغرب. وفقاً لهذه الادعاءات، الإيرانيون سليلو العرق الآري، وهم متفوقون عرقياً على العرب والأتراك وغيرهم من شعوب المنطقة. والإسلام، بصفته ثقافة عربية، كان عبئاً على الفرس وثقافتهم. ولعل هذا يُفسر إعجاب سُنبلي بالنازي بريفيك الذي يُركز في كتاباته على معاداة المهاجرين المسلمين.

المفاجأة الثانية كانت حقيقة أن غالبية ضحايا اعتداء ميونيخ مسلمون. من أصل ٩ ضحايا، ٣ أصولهم من إقليم كوسوفو، و٣ من أصول تركية، وواحد يوناني من الأقلية المسلمة شمال البلاد. 

وإضافة إلى علاقة الجريمة بطفولة سُنبلي ومعاناته من تضييق زملائه في المدرسة، يبدو من المعطيات الأولية أن هذا الشاب استهدف أيضاً الأتراك والكوسوفيين بصفتهم عرقاً أقل شأناً من اثنيته الآرية. وللدلالة على ذلك أيضاً، تداولت وسائل الاعلام فيديو يخوض سُنبلي فيه حواراً بالصراخ مع عنصري ألماني آخر، وذلك قبل مقتل الأول منتحراً. شتم الألماني  سُنبلي باعتباره ”تركياً“، فأجابه الأخير ”أنا ألماني، نعم، وُلدت هنا“. 

المفاجأة الأخيرة كانت كتاباً عثرت عليه الشرطة في منزل منفذ الهجوم علي ديفيد سنبلي، وعنوانه “لماذا يقتل الأطفال: داخل عقول مطلقي النار في المدارس”. الكتاب من تأليف طبيب نفس اسمه بيتر لانغمان، أجرى بحوثاً عن ١٠ حالات لدرس مختلف جوانب الظاهرة، لكنه ككل دراسة علمية نفسية لم يُقدم إجابات قاطعة بل ترك المجال مختصاً بقضايا محددة. والطبيب سارع في مقابلة مع صحيفة “ذي غارديان” البريطانية، إلى نفي وجود ما يُحرّض أو يُساعد على تنفيذ مثل هذه الجرائم في الكتاب. تحديداً، استعمل الطبيب عبارة “ليس الكتاب دليل استخدام”، ورجح أن يكون سُنبلي أراد فهم نفسه ودوافعه قبل الإقدام على جريمته.

هناك شيء عام هنا يتجاوز الإسلامي والفاشي. سُنبلي عانى من مشكلات نفسية وصعوبة في الاندماج بالمجتمع. قادته الكراهية لنفسه ومحيطه معطوفة بالعصبية القومية إلى قتل ٩ أبرياء أغلبهم مسلمون. قبله، بريفيك خرج من عائلة ممزقة، إذ لم يعرف أباه جيداً، وكانت أمه تنتهك حقوقه كطفل، ونبهت مدرسته من صحته النفسية. اعتنق الفاشية وقتل ٧٧ نروجياً. 

التونسي محمد سلمان الحويج بوهلال (٣١ عاماً)، مرتكب مذبحة نيس في فرنسا، صاحب سجل حافل بالأمراض النفسية، بحسب عائلته إذ تعرض لانهيار عصبي ومشكلات نفسية بين عام ٢٠٠٢ و٢٠٠٤. انفصل عن زوجته وأطفاله الثلاثة، وديونه تراكمت عليه، سيما بعد طرده من عمله الأخير قبل شهور من الاعتداء، بعدما غفا على مقود الشاحنة. بوهلال قتل ٨٤ فرنسياً بينهم ٣٠ مسلماً، وفقاً لصحيفة “ نيويورك تايمز”. دهسهم كباراً وأطفالاً بشاحنته.

ما يجمع الثلاثة أزمات نفسية وعُزلة اجتماعية، ولجوء لإيديولوجيا كراهية للاقدام على العنف، وربما عوامل أخرى لو أخذنا هجمات سابقة في الاعتبار. لكن هناك من ينجذب للتبسيط لأغراض سياسية. ”إنه عمل الإسلام“، قال غيرت ويلدرز، المعارض الهولندي والمرشح الأبرز لتولي السلطة في الانتخابات العامة مطلع السنة المقبلة. 

وفقاً لهذا المنطق، فإن أغلب ضحايا اعتداء ميونيخ ونيس وبغداد وأماكن كثيرة أخرى مذنبون أيضاً، تماماً مثل قاتليهم، فيما يستحق بريفيك وضحاياه مستوى مغايراً من التحليل والفرز، يليق بعرقه السامي!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها