الجمعة 2016/02/05

آخر تحديث: 12:15 (بيروت)

رفسنجاني المقامر

الجمعة 2016/02/05
increase حجم الخط decrease

في قراءة غير تقليدية التي تضع المواقف الاخيرة لرئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الايراني الشيخ علي اكبر هاشمي رفسنجاني في اطار الصراع بين تيارين او مركزي قرار داخل هذا النظام على خلفية الانتخابات البرلمانية ومجلس خبراء القيادة، يمكن الذهاب الى تبني بعض "من الخبث" في رصد الخلفيات التي دفعت رفسنجاني لمثل هذا التصعيد، خاصة في التصويب المباشر ومن دون التسمية على مرشد النظام الايراني السيد علي خامنئي وصلاحياته التي تتجاوز الدستور.

رفسنجاني الذي تلقى الضربة الاقسى في حياته السياسية منذ العام 1979 وبروزه كأحد اعمدة النظام المنبثق عن الثورة التي انتصرت ضد نظام الشاه وتحولها الى إسلامية بسبب اخطاء القوى الوطنية والليبرالية واقتناص المؤسسة الدينية لهذه الفرصة وتحويلها الى ثورة اسلامية او نظام إسلامي مركزي وشامل. لا يمكن، لمن يعرفه، ان يترك الامور تأخذ المنحى الذي يريده الطرف الاخر، خاصة الطرف الذي استهدفه مباشرة وحاول تحطيم دوره السياسي والقيادي في الثورة، إن كان من خلال استبعاده عن رسم مسارات النظام الداخلية والخارجية، او استهداف موقعه الاجتماعي من خلال النيل منه عبر ابنائه وزجهم في السجن بتهم الفساد والتآمر على النظام.

وعليه، فان الهجوم الذي شنه رفسنجاني على مؤسسات مفصلية في النظام، خاصة مجلس صيانة الدستور ودوره في تأييد ورفض اهلية المرشحين على خلفية استبعاد حفيد مؤسس الثورة السيد حسن أحمد الخميني من السباق الانتخابي للوصول الى مجلس خبراء القيادة، واستكمال الهجوم على الجهة التي تحدد "أئمة صلاة الجمعة" في طهران التي أُستبعد عنها بعد  احداث وتطورات عام 2009 نتيجة قرار النظام بايصال محمود احمدي نجاد الى رئاسة الجمهورية على حساب مرشح الاصلاحيين مير حسين موسوي، هذا الهجوم يعرف القاصي والداني انه لا يصوب على مجلس صيانة الدستور بما هو صاحب القرار المباشر، بل يستهدف الجهة التي تقف وراء هذا القرار والتي تمسك بمفاصل مجلس صيانة الدستور وتقرر بنفسها الاشخاص الذين يعتلون منبر صلاة الجمعة ليس فقط في طهران بل في كل مساجد ايران، وهذه الجهة ليست سوى ولي الفقيه ومرشد النظام الخامنئي، رفيق السلاح والسلطة لرفسنجاني.

لا شك ان فرصة الانتخابات ومواقف وقرارات مجلس صيانة الدستور سمحت لرفسنجاني باللجوء الى هذا التصعيد، في محاولة لاستعادة تجربة عام 2009 التي اثارت حساسية مرشد النظام من خلال تبني الاصلاحيين ترشيح مير حسين موسوي الذي يشكل تحديا واضحا لموقع المرشد ويذكره بمرحلة لا يحبذ العودة لها عام 1984 في زمن وعهد المؤسس الخميني عندما تبنى الاخير دعم موسوي رئيس الوزراء على حساب رئيس الجمهورية آنذاك علي خامنئي، اضافة الى كون موسوي ينتمي الى (خامنه) القرية نفسها مع خامنئي وتربطهما علاقة قرابة لم تساعد في تخفيف التوتر بينهما.

الاصلاحيون نجحوا في استنفار خامنئي حينها ودفعوه لاتخاذ قرار شكل اول تصدع عميق في  جسد سلطته المطلقة وأسس لحقيقة وجود تيار معارض لسلطته وسلطة المؤسسة العسكرية، ولم يكن امامه ومن خلفه النظام الا ان يضرب بيد من حديد لقمع هذا التوجه ما امكن وتأخير او عرقلة هيمنته على الحياة السياسية والتحول الى شريك فعلي وعملي في السلطة. فكانت المواجهات الدموية مع المظاهرات الشعبية والاعتقالات الواسعة في صفوف السياسيين والمثقفين والصحافيين المعارضين لسلطته المطلقة في ادارة النظام.

من المنطلقات نفسها، وفي محاولة لاستباق اي تطورات دراماتيكية قد تحدث خلال السنوات الثماني للدورة الجديدة لمجلس خبراء القيادة، وامكانية ان تشهد فراغا في موقع ولي الفقيه ومرشد النظام، ذهب رفسنجاني الى تبني ترشيح حفيد الخميني السيد حسن، ليكون  شريكا في تحديد مسارات النظام في المرحلة المقبلة، ويؤسس لدخول وجوه غير محسوبة على التيار المحافظ وتحظى بتأييد وقبول شعبيين في ظل تراجع التأييد الشعبي للاعضاء الحاليين في هذا المجلس.

ولعل الدافع وراء خيار رفسنجاني في تبني ترشيح حسن الخميني لا يقف عند هذا، بل يتعداه الى مسألة اكثر تعقيدا تتعلق بموقع المرشد على الصعيد الشعبي، خاصة بين الفئات غير المستفيدة من النظام وخارج دائرة حساباته ورهاناته.

قد يكون "الخبث" الرفسنجاني، وضع في اعتباراته، تعرية موقف مرشد النظام من الارث الخميني، خاصة وان التجربة مع مير حسين الموسوي الذي يعتبر ثقة الخميني، شكلت مؤشرا على هذا المنحى الشخصي والنفسي لدى مرشد النظام.

وبالتالي فان الدفع بترشيح حسن الخميني وتبنيه من قبل رفسنجاني والتيار الاصلاحي والمعتدل على حد سواء، قد يكون الهدف منه كشف مساعي خامنئي "للقطع" مع المرحلة الخمينية والتأسيس للمرحلة الخامنئية، في ظل اعتقاد سائد لدى العديد من الاطراف الايرانية الموالية والمعارضة، الاصلاحية والمحافظة، ان موقع ولي الفقيه ومرشد النظام بعد خامنئي لن يكون بالثقل والتأثير الحالي، وانه سيكون خاضعا لتأثير وسلطة المؤسسة العسكرية المتمثلة بحرس الثورة الايرانية.

قد  يكون رفسنجاني قد اقترب من الهدف الذي اراده من الهجوم على المؤسسات الخاضعة مباشرة لقرار مرشد النظام بعد رفض تأييد اهلية حسن الخميني بالترشح لانتخابات مجلس خبراء القيادة، واجبر الطرف الاخر على قول ما لا يريده ويتحاشى الافصاح عنه من بوابة استغلال ازمة حسن الخميني، الا انه ايضا حقق هدفا شخصيا في تحويل نفسه الى مدافع عن ارث الخميني الذي مازال لديه قبول نسبي لدى الايرانيين، وتاليا انتقم لنفسه بعد محاولات خامنئي استبعاده من دائرة القرار والشراكة بعد اقصائه عن رئاسة مجلس خبراء القيادة الذي من المفترض ان يضعه في مقدمة المرشحين لخلافة خامنئي لاحقا، ومحاولة تحطيمه سياسيا واجتماعيا واظهاره مشاركا في الفساد المالي والاداري وحتى السياسي من خلال الادوار التي قام بها ابناؤه بدءا من مهدي المسجون وصولا الى فائزة التي دخلت السجن ثم خرجت.




increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها