الجمعة 2016/12/09

آخر تحديث: 08:51 (بيروت)

الجمهورية الاسلامية في لبنان

الجمعة 2016/12/09
increase حجم الخط decrease

يُمثّل ارتفاع منسوب ”حوادث“ التضييق على الحريات الاجتماعية، حتى داخل صرح الجامعة اللبنانية نفسها وضد أغنيات بمثابة أيقونات وطنية، مناسبة لدرس واقعنا. في إيران، يتولى جهاز حكومي مهمة فرض القوانين الإسلامية على شعب متفلت منها بكافة طبقاته، حتى الفقيرة منها. وهذه الهوة بين السلطة المتمثلة برجال الدين الايرانيين، والمحكومين الراغبين بالتحرر من المحرّمات، آخذة بالاتساع بدليل العدد المتزايد من مدمني الكحول (تزايد العيادات الممولة من الحكومة). وتواطؤ الناس على الحكومة مفيد، إذ تُعقد الحفلات الخاصة في بعض أحياء طهران وشيراز على مسامع الجيران، وقبولهم، لكن بعيداً عن أعين السلطات.

إلا أن هذا واقع غير متوافر عندنا في لبنان حيث المقاربة الاسلامية من تحت، أي عبر مؤسسات وشبكات اجتماعية ومالية إسلامية تصنع تكافلاً حول تطبيق الشريعة لا مكافحتها.

وليس مبالغة القول إننا نعيش في جمهوريتين لبنانيتين. الأولى إما مسيحية أو بورجوازية مختلطة (رأس بيروت ووسطها مثالاً)، يعيش فيه اللبنانيون وفقاً للصورة النمطية اجتماعياً، أي امتلاك حرية اللباس وفتح الحانات والمقاهي ومحلات لبيع الكحول بضوابط قانونية لا دينية. والثانية إسلامية، لا يقتصر إسلامها على الهوية فحسب، إنما يشمل الممارسة أيضاً. والمجتمع في هذه الجمهورية ليس على انسجام مع الصورة المتخيلة لهويتنا الوطنية الموحدة.  فلم يكن منع تشغيل أغاني فيروز وصوتها في الجامعة اللبنانية استثناء أو حدثاً فردياً، بل جزءاً من حالة (وليس سياسة) تحتل غالبية الأراضي اللبنانية.

والفارق هنا بين الحالة والسياسة المقصودة والمُخطط لها، أن الأولى نتاج استراتيجية على مدى عشرات السنوات، فيما الأخيرة موقتة ومرحلية، وبإمكاننا عكسها بقرار أو بتبدل الظروف. نحن اليوم أمام مجتمع إسلامي يتحرك سريعاً لمواجهة أي انتهاك لقوانين إسلامية نافذة، رغم كونها ”غير رسمية“، أي مضمرة أو غير مُعلنة.

على سبيل المثال، لو قرر مواطن لبناني فتح محل لبيع الكحول في الضاحية الجنوبية لبيروت، سيجد نفسه أمام مُعضلة حقيقية. أولاً، لا مشكلة في تحصيل ما يكفي من الزبائن للمحل، أي بإمكانه تأمين الديمومة المالية والأرباح، بالحسابات التجارية الصرف. وكذلك الأمر في طرابلس وصيدا حيث يواظب آلاف السكان على احتساء الكحول غير آبهين بالمحظورات. 

لكن مجرد أن يفتح المحل، سيصطدم باعتراض من مجموعات غير منظمة، ولا يمكن تعريفها، وبالتالي التعامل معها، إما عبر استدعاء الشرطة، بما أن القوانين اللبنانية تتيح مثل هذه الحرية، أو عبر قيادة الحزب المُسيطر عليها.

إلا أن ذلك غير متاح. وبالتالي، فإن معظم محاولات فتح محلات الكحول في مدن مثل طرابلس وصيدا والنبطية وحتى بعض صور، باءت بالفشل، رغم أنها قابلة للحياة تجارياً. فقط قلة قليلة من المحلات بقيت تعمل خفية وتتجنب غالباً إثارة الانتباه إلى نشاطها.

إتخاذ بيع الكحول مثالاً لا يحصر الخلاف عليه، الأغاني والحفلات العلنية ممنوعة أيضاً. ومثل هذا الإطباق على الحيّز العام للناس يُضيّق الخناق على الحياة الثقافية، ويحصرها طبعاً بالشق الديني الطاغي. حتى لو تواجدت مقاهي محلية، لن تتمكن فيها من الإفصاح عن آراء مخالفة، إن كان لجهة موقفك المغاير من الدين مثلاً، أو حتى مخالفة الرأي السياسي السائد في المنطقة (كأن تُجاهر بعدائك للنظام السوري في مناطق شيعية، أو العكس في طرابلس مثلاً). 

لكن ذلك ممكن إلى حد كبير في المجتمع الأول. بإمكانك أن تجلس في مقهى في جونية وتتحدث عن رأيك المؤيد للثورة السورية أو أن تكون مستقبلياً أو قواتياً او حزب اللهي الهوى. 

ولهذا الواقع خلفيات ثقافية وتعليمية أيضاً. لشبكة مدارس ”حزب الله“ والجماعات والجمعيات الاسلامية الأخرى (سنية وشيعية) دور كبير في التأسيس للمجتمع الإسلامي الموازي في لبنان على مدى العقود الماضية، وتحديداً منذ انهيار الدولة في سبعينات القرن الماضي. 

إنها دولة إسلامية تزحف الينا من تحت، من حيث لا نتوقعها. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها