الثلاثاء 2016/12/06

آخر تحديث: 18:50 (بيروت)

التلاعب الروسي

الثلاثاء 2016/12/06
increase حجم الخط decrease

عكس التحرك السياسي والدبلوماسي والعسكري الروسي إزاء المواجهة المحتدمة في مدينة حلب عن وجود ثلاثة مستويات لهذا التحرك، مستويات متداخلة ومتكاملة بهدف تحقيق نتيجة محددة سلفا ألا وهي تحقيق "انتصار" في حلب إن عبر تحقيق نصر سياسي بقبول القوى الإقليمية والدولية بإخراج فصائل المعارضة، جميع الفصائل، من شرق حلب أو عبر تحقيق حسم عسكري بالسيطرة على الأحياء الشرقية.

أخذ المستوى الأول شكل حملة إعلامية هدفها تشويه صورة الفصائل المسلحة وداعميها الإقليميين والدوليين عبر إبراز تعاونهم وتنسيقهم مع "جبهة فتح الشام" المصنفة دوليا كحركة إرهابية، وتحميلهم مسؤولية استمرار معاناة المدنيين في هذه الأحياء، بالحديث عن منعهم المدنيين من مغادرتها تارة وفرض إتاوة على الخروج قدرها 150 دولارا للفرد الواحد تارة أخرى، لتبرير مواصلة الحملة العسكرية ضدهم من جهة، ومن جهة ثانية تحسين صورة روسيا عبر تكرار الإعلان عن عدم قيام القوات الفضائية والجوية الروسية بأية غارات على هذه الأحياء طوال الشهر ونصف الشهر الأخيرة، والإعلان عن قبولها بإدخال المساعدات الإنسانية الى هذه الأحياء بعد الحصول على ضمانات كافية للعملية، والدعوة إلى إقناع الفصائل بالانسحاب من هذه الأحياء وإلا "فانه سيتم التعامل معها على أنها ارهابية"، والانخراط في مفاوضات مع قادة عدد من الفصائل المشاركة في القتال في حلب(10 فصائل بينها "حركة أحرار الشام" التي تصنفها حركة إرهابية، ربما قبلت مشاركتها لإغواء تركيا بإطعامها جوزة فارغة) في أنقرة برعاية تركية لإقناعها بالابتعاد عن الفصائل المتطرفة والقبول بمبادرة المبعوث الدولي بإخراج "جبهة فتح الشام" من هذه الأحياء، ورعاية الجيش الروسي "مصالحات" ريف دمشق والتي تقضي باخراج المقاتلين واسرهم من هذه المناطق ونقلهم الى محافظة ادلب، والإعلان عن استعدادها لإجراء مباحثات مع جميع أطراف الصراع في سوريا. أما المستوى الثاني فأخذ شكل حملة دبلوماسية تطالب بالعودة الى المفاوضات لتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة، وخاصة القرار 2254، ومطالبة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بالدعوة الى جلسة مفاوضات جديدة في جنيف وانتقاد تقاعسه وعدم جديته في القيام بمهمته كما يجب، جاء الانتقاد ردا على أطروحات المبعوث الدولي حول أحياء شرق حلب وخاصة دعوته للاعتراف بالمجلس المحلي وحقه في إدارتها، ودعوة واشنطن الى استئناف المفاوضات الثنائية حول الوضع في سوريا وتنفيذ الاتفاق السابق حول الفصل بين المعارضة المعتدلة والمتطرفة واستهداف الأخيرة في عمل عسكري منسق ومشترك، والانخراط في مباحثات مع تركيا تحت شعار "إيجاد حل سياسي في سوريا"، واعتماد سياسة الجزرة معها بهدف ضبط الحدود والتعاون ضد الفصائل المسلحة وانسحابها العسكري من معركة حلب وإبعادها عن حلفائها المحليين والإقليميين. وقد أخذ المستوى الثالث شكل تحرك عسكري واسع وعنيف شمل ريفي دمشق ودرعا ومحافظة إدلب والمناطق الجنوبية الغربية في محافظة حلب حيث استهدفت المواقع العسكرية والمدنية، وخاصة المستشفيات والأفران والأسواق الشعبية، دون تمييز، مستخدمة ذخائر شديدة التدمير، لإرباكها وعرقلة أية محاولة لدعم الفصائل التي تقاتل في مدينة حلب مباشرة أو عبر مهاجمة قوات النظام في مواقعها ما يضطره لاعادة توزيع قواته على أكثر من جبهة وتخفيف حشده في حلب، بالإضافة الى مد قوات النظام والميليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية والأفغانية والباكستانية بأسلحة حديثة ومتطورة وذخائر خارقة حارقة، ومراقبة ساحات المواجهة الدائرة على الأراضي السورية والعمل على ضبط إيقاعها، تحفظها على توسيع عملية "درع الفرات" لتشمل مدينة الباب، بحيث لا تؤثر على تصورها للحل في سوريا، كل هذا مع الإعلان عن "انه لا يوجد حل عسكري للصراع في سوريا".  

ربط محللون بين التحرك الروسي بمستوياته الثلاثة والقلق من تطورات المواجهة الدبلوماسية والعسكرية واحتمالاتها ونتائجها الميدانية ومترتباتها السياسية والإستراتيجية، فالمعركة في الأحياء الجنوبية الشرقية في مدينة حلب، حيث الأبنية متلاصقة وتحتها خنادق وتخترقها معابر، لن تكون سهلة وكلفتها البشرية لن تكون بسيطة،  ناهيك عن أن التركيز الإعلامي والسياسي على تطورات الموقف فيها لن يسمح بحركة حرة وحاسمة، خاصة والتحركات الدبلوماسية والسياسية الإقليمية والدولية(الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية) لا تتابع الموقف عن قرب وبشكل دقيق فقط بل وتطالب باتخاذ مواقف عملية لوقف قتل المدنيين وتدمير المدينة، وهذا ركز مزيدا من الضغط السياسي عليها، علما انها لا تريد العودة الى العزلة والنبذ وترغب، في الآن نفسه، استثمار الظرف وتسجيل مكسب سياسي بفرض رؤيتها للصراع في سوريا وعليها والبناء عليه في المساومات القادمة مع الإدارة الأميركية الجديدة، خاصة والرئيس الروسي يراهن على المكاسب الخارجية لضبط المشهد الداخلي، فقد سبق واستثمر انجازاته الخارجية في جورجيا وأوكرانيا في احتواء ردود الفعل المحلية على الفساد وتدني مستوى المعيشة والتضخم وتآكل سعر صرف العملة الوطنية وارتفاع الأسعار، عبر اعتبار المنظمات الحقوقية والمدنية عميلة للخارج، وتعزيز أجهزة القمع، جهاز الأمن الفيدرالي ووزارة الدفاع ومجلس الأمن، وفرض قيود على شركات الإنترنت وتشديد الرقابة على وسائل الإعلام، وتشديد قوانين مكافحة التطرف والإرهاب. وقد زادته مكاسبه الأخيرة، من المكاسب العسكرية في سوريا، وخاصة إقامة قواعد عسكرية دائمة فيها، الى فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية وفوز فرانسوا فيون كمرشح للرئاسة الفرنسية في الانتخابات التمهيدية لليمين الفرنسي وقبلها انتخاب رئيسين صديقين في بلغاريا ومولدافيا، جرأة وتطلعا الى فرض تصوراته على الخصوم والأصدقاء فوسّع مطالبه بانسحاب كل الفصائل من شرق حلب، والتهديد في حال رفضها الخروج باعتبارها إرهابية واستهدافها دون هوادة، ورفض إدخال مساعدات إنسانية الى الأحياء الشرقية قبل أن تعلن الفصائل قبول الانسحاب من هذه الأحياء، وقدم شرطين لقبول الاتفاق مع هذه الفصائل في مفاوضات أنقرة: الأول، موافقة دمشق على هذا الاتفاق. الثاني، وقف المعارضة معارك جنوب غربي المدينة، علما أن طلب موافقة دمشق يعني ضرورة موافقة طهران التي تشرف على ميليشيات بينها حركة النجباء في جنوب شرقي حلب، وطلب وقف معارك جنوبي غربي حلب، يعني دفع الفصائل الى إشكالية وتوتر مع جيش الفتح، الذي يضم سبعة فصائل بينها "أحرار الشام" و "فتح الشام"، ورفض الدعوات الى وقف إطلاق النار واستخدم حق النقض(الفيتو) ضد مشروع القرار المصري الاسباني النيوزيلاندي.
استغرب البعض استخدام الصين لحق النقض(الفيتو) متناسين الصراع المفتوح بين بكين وواشنطن على خلفية السيطرة على بحر الصين ومد خط المياه الإقليمية الصينية وإعلانات الرئيس الأميركي المنتخب حول التصدي للصين وتحميلها مسؤولية احترار الأرض ومكالمته الهاتفية مع رئيسة تايوان التي تتبنى سياسة الانفصال عن الصين، قبيل إجراء مباحثات مع الولايات المتحدة استكمالا لاتفاقات لوزان على أمل انجاز اتفاق يضع الإدارة القادمة أمام أمر واقع، والإمساك بأوراق رابحة في أية مساومة إقليمية ودولية.   

تتطلع موسكو الى تحقيق هدفها في خروج جميع مقاتلي المعارضة من شرق حلب بأقل كلفة ممكنة لذا فهي تناور وتعتمد تكتيك الانتقال من التصعيد العسكري الى التهدئة، وتراهن على خلق انقسامات ومواجهات بين هذه الفصائل بحيث تضعف بعضها بعضا وتقودها الى القبول او الهزيمة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب