الأحد 2016/11/27

آخر تحديث: 07:45 (بيروت)

"براءة" التنوير

الأحد 2016/11/27
increase حجم الخط decrease
قالت فاطمة ناعوت، الكاتبة والمترجمة والشاعرة، إن الحكم الذي أًصدرته محكمة قاهرية بحبسها 6 أشهر مع إيقاف التنفيذ، "يرضيها".

يمكن فهم موقف ناعوت، بالنظر إلى أن الحكم هو تخفيف لحكم سابق أمر بحبسها 3 سنوات بتهمة ازدراء الأديان، حين انتقدت -عبر حسابها في "فايسبوك"- شعائر ذبح أضحية العيد، معتبرة إياها "مذبحة سنوية لكائنات لا حول لها ولا قوة".

آنذاك، فور صدور حكم السنوات الثلاث، أعلنت ناعوت أنها مستعدة لقضاء عقوبتها ولا تريد أثناء قضائها سوى "كتبي وموسيقاي"، غير أنها غادرت البلاد قبل ساعات من تأكيد الحكم الذي صدر "غيابياً"، ثم عادت لتعارض الحكم الذي خُفّف إلى الأشهر الستة مع إيقاف التنفيذ.

يعني "إيقاف التنفيذ" أن الحكم يبقى مسلطاً على رقبة المحكوم إلى أن يدان في قضية مثيلة، ساعتئذ يكون عليه أن يقضي العقوبتين معاً. ويعني "إيقاف التنفيذ" أيضا أن المحكمة رأت المتهم مداناً، إنه ليس بريئاً من الاتهام وإنما لن يقضي العقوبة لأسباب تخفيفية ارتأتها المحكمة.

للسببين السابقين تسعى ناعوت، عبر محاميها، إلى الطعن، أملاً في "البراءة"، حتى بعد إيقاف تنفيذ الإدانة.

هي "البراءة" نفسها التي حصل عليها باحث الإسلاميات، إٍسلام بحيري، من التهمة نفسها، أي "ازدراء الإسلام"، لكن محكمة أخرى عادت لتدينه بالاتهام نفسه وتدخله السجن. ظل بحيري، حتى بعد خروجه، يدلل بالحكم الأول على "براءته". وفي الأيام الأولى من سجنه، بعد رفض استشكاله الأول لإيقاف تنفيذ الحكم، تساءل في هذا الفيديو: "أنا ازدريت الإسلام في إيه؟".

يمكن، على الأٌقل لأسباب قانونية بحتة، تفهّم سعي بحيري وناعوت لإثبات "براءتهما" من ازدراء الأديان، على الرغم من أن ذلك السعي لم يوقف جرّهما إلى المحاكم والسجون، وإن وضعهما بعد ذلك في موقف "الراضي" -كما قالت ناعوت- على تخفيف الحكم، أو "الشاكر" كموقف بحيري من العفو الرئاسي الذي أخرجه من السجن قبل أسابيع قليلة من قضاء كامل عقوبته. إذ أن العفو- على حد قول بحيري- مهم في ذاته بغض النظر عن توقيته، فالرئاسة "تتدخل للمرة الأولى في الصراع بين شقي المجتمع المتنور والظلامي"، وهي تتدخل "انتصاراً للتنوير" بحسب بيان أصدره بحيري بعد الخروج من السجن.

وربما كان تقدير البحيري لتدخل الرئاسة مبالغاً فيه، ليس فقط لأن التدخل جاء متأخراً جداً، بعد قضاء معظم العقوبة، وإنما لأن الرئاسة – إن استخدمنا المنطق ذاته- لم تكن تسمح من قبل بالوصول إلى مرحلة السجن. إذ تنوعت ردود أفعال الدولة إزاء "أزمات التنوير"، منذ حفظ التحقيق مع طه حسين في قضية "في الشعر الجاهلي" إبان العصر الملكي في مصر، إلى منع نشر "أولاد حارتنا" في كتاب -باتفاق غير مكتوب مع نجيب محفوظ - بعد نشرها كاملة في "الأهرام"، ثم العودة إلى نشرها بعد نصف قرن، مروراً بأزمة نشر وزارة الثقافة لعدد من الروايات التي أثارت غضب المحافظين، أواسط التسعينات، وما تبعها من إقالة لعدد من المسؤولين الثقافيين. ويأتي على رأس أزمات العقد نفسه، حكم التفريق بين نصر حامد أبو زيد وزوجته، وهو العقد ذاته الذي شهد اغتيال فرج فودة. في هذه الأزمات كلها، بين الحفظ والتحقيق والإقالات وسحب بعض الكتب، لم تعتقل الشرطة مفكراً تنويرياً وتلقي به في السجن. لم يحدث هذا سوى مع إٍسلام بحيري، وهذا هو "التغير الجديد في موقف الرئاسة"، لا "العفو".

على كل حال، كان يمكن لنصر حامد أبو زيد، قبل عشرين عاماً، أن يحوز "البراءة" نفسها إذا وافق على نطق الشهادتين في قاعة المحكمة، كما طالب خصومه. لكنه رفض، وقضى بإرادته بقية سنوات عمره في المهجر، لأنه كان يعرف أن العيب في الاتهام، لا في الرد عليه.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب