الثلاثاء 2016/10/25

آخر تحديث: 20:15 (بيروت)

الهدنة الخدعة

الثلاثاء 2016/10/25
increase حجم الخط decrease

مرت "الهدنة" في حلب دون أن تحدث فارقا إنسانيا أو سياسيا، حيث لم تُنفذ عملية إخراج مئات الجرحى والمرضى وإدخال المساعدات الإنسانية الى المدنيين المحاصرين في الأحياء الشرقية من المدينة.

لم، وأين المشكلة؟.

لم تقبل روسيا دعوات وقف إطلاق النار في حلب، واستخدمت حق النقض(الفيتو)، وهو الخامس لحماية النظام السوري من المحاسبة، ضد مشروع القرار الفرنسي الاسباني، وأرفقته بتكثيف غاراتها على الأحياء المحاصرة وبكل أصناف القنابل الفراغية والارتجاجية والفسفورية وإرسال مزيد من الطائرات والقطع البحرية الى سوريا، والاعلان عن اهدافها فيها: القضاء على الارهابيين، والابقاء على رأس النظام في السلطة، وفق تصريح الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، في مسعى للي ذراع الولايات المتحدة ودفعها للدخول في مفاوضات على صفقة شاملة تؤسس لنظام دولي ثنائي القطبية يمنحها حصة وازنة ودورا كبيرا في إدارة الملفات الدولية وحلها، لذا لم يكن منطقيا، بالنسبة لها، أن تفرّط في الورقة السورية بعامة وورقة حلب بخاصة في ضوء الإحراج الذي شكلته للإدارة الأميركية والمخاوف التي أثارتها في أوروبا على خلفية تجدد موجات النزوح والهجرة الى أراضيها.

لكنها(روسيا) لم تستطع تحمّل نتائج الحملات الإعلامية والحقوقية والسياسية التي ابرزت مدى وحشية قصفها للأحياء المحاصرة واستهداف المدنيين بشكل مباشر عبر قصف الأسواق والمدارس والمشافي، ووصفه من قبل قادة غربيين بـ "جرائم ضد الإنسانية" و "ترقى الى جرائم حرب"، والتلويح بفرض عقوبات اقتصادية جديدة عليها، وتحرّك منظمات حقوقية دولية ودعوتها لمعاقبتها في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة(تبنى المجلس يوم 22 الجاري في جلسة طارئة بطلب من 16 دولة، قرارا يستهدف بشكل محدد النظام السوري و"حلفاءه"، وبشكل خاص روسيا وايران. ونال القرار 24 صوتا مقابل سبعة في حين امتنعت 16 دولة عن التصويت، بالاضافة الى دعوة من 80 منظمة حقوفية لطرد روسيا من المجلس)، ودعوة مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد بن الحسين الى إحالة الملف الى المحكمة الجنائية الدولية، وتحريك الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لملف استخدام غاز الكلور السام في قصف بلدات في ادلب والذي اثبته تقرير اللجنة الأممية المشتركة الخاصة والدعوة الى محاسبة النظام على ذلك في ضوء نتائج التحقيق التي اثبتت استخدامه لهذه الاسلحة مرتين عامي 2014 و 2015 وخرقه لتعهده في هذا المجال بعد انضمامه الى منظمة حظر الاسلحة الكيماوية، والتزام موسكو بضمان ذلك، والبدء باعداد مشروع قرار فرنسي بهذا الخصوص، وحاجتها الى ترطيب الأجواء مع دول الاتحاد الأوروبي قبيل اجتماع برلين لبحث تطورات الوضع في أوكرانيا ومراجعة تنفيذ اتفاق مينسك حولها، ولقطع الطريق على مطالب ألمانيا وفرنسا المتوقعة خلال الاجتماع الثلاثي حول سوريا، دفعتها الى طرح مبادرة لوقف القصف وقبول "هدنة" لثمان ساعات يوميا، مددتها الى أحدى عشرة ساعة، ولمدة ثلاثة أيام، وذلك لتخفيف الضغوط وسحب مبررات الدعوة الى معاقبتها وعزلها.

غير ان الاعلان الروسي "للهدنة" لم يكن أكثر من تكتيك ومراوغة لامتصاص الضغوط الكبيرة وتخفيف الحرج الذي سببه القصف العشوائي والوحشي للمدنيين في الأحياء المحاصرة في المدينة، وكذلك في إدلب وريفي حمص ودرعا، ورمي الكرة في الملعب الآخر من خلال الدعوة لتنفيذ اقتراح المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا باخراج مقاتلي "جبهة فتح الشام" من احياء المدينة الشرقية، لكن وفق رؤيتها هي لا وفق ما اقترحه المبعوث الدولي في اجتماع لوزان(اشتمل اقتراح دي ميستورا على خمس نقاط رئيسية أهمها الوقف التام لقصف شرق حلب، وكذلك وقف تام لقصف غرب حلب(من شرقها)، وخروج مقاتلي "جبهة فتح الشام" فقط من المدينة، فهذا لا ينطبق على منظمات معارضة أخرى موجودة في شرق حلب، رفع الحصار وإدخال المساعدات الإنسانية، مع بقاء الإدارة المحلية كمسؤولة عن إدارة الوضع في شرق حلب، وعدم دخول قوات النظام إلى المدينة حتى بعد مغادرة "جبهة فتح الشام"، وتقديم الخدمات والأمن العام والخدمات القانونية والأمن والحماية. في حين تريد موسكو اخراج بقية الفصائل، وترفض بقاء الادارة المحلية المعارضة في شرق المدينة، وتربط كل ذلك بموافقة النظام السوري، وذلك كوسيلة لافشال الاقتراح في حال عدم قبول تصورها لتنفيذه).

تجسد التلاعب الروسي بداية باقترح "هدنة" مقرونة بصيغة استفزازية بالحديث عن تهجير السكان كما حصل في داريا(علق لافروف على تهجير أهالي داريا قالا:"هذا ما يجب أن يحصل في المناطق الأخرى)، وإخراج المقاتلين، لم يكتف بإخراج مقاتلي "جبهة فتح الشام" بل أضاف لازمته غير المحددة "ومنظمات إرهابية أخرى"(الموقف الروسي قائم على أن كل مَنْ يرفع السلاح في وجه السلطة الشرعية إرهابي، وغير ذلك من التفاصيل لا يستحق التوقف عنده)، والاعلان عن ممرات آمنة يوفره لهم، ووضعهم أمام خيارين لا ثالث لهما: الخروج أو الموت، وكأنه يريد استفزازهم ودفعهم للرفض. وقد أوضح فرانتس كلينتسيفيتش٬ النائب الأول لرئيس لجنة الدفاع والأمن في المجلس الاتحادي الروسي٬ هذا التوجه بتصريحه لصحيفة "إزفستيا" حيث قول:"إن روسيا وعبر تلك الهدنة تهيئ ظرفا مناسبا ليتمكن المدنيون من الخروج من منطقة العمليات القتالية. وتتيح فرصة كذلك للمقاتلين٬ وأنه بعد الهدنة الإنسانية ستبدأ عملية التطهير٬ وأنه لن يكون من السهل عندها اتهام روسيا بأنها لا تأخذ مصالح المدنيين بالحسبان". وهذا ما أكده اعلانها بعد انتهاء "الهدنة" ان لا "هدنة" أخرى.

لم تكن "الهدنة" العتيدة الا لعبة سياسية لتحقيق هدفين متكاملين: تجيير اقتراح المبعوث الدولي لصالح تصورها للمخرج في حلب بحيث يتحول الى دعوة لخروج كل مقاتلي المعارضة من المدينة وتسليمها للنظام دون قتال، وهذا ما أكده وزير الدفاع الروسي في تصريحات لـه دعا فيها "القيادات في الدول التي لها تأثير على قادة المجموعات المسلحة بإقناع المقاتلين بالكف عن المقاومة والخروج من حلب"، واحتواء الضغوط الدولية التي يُخشى من تطورها باتجاه عزل روسيا ومحاصرتها سياسيا وحقوقيا، خاصة مع الاصرار الفرنسي على محاسبة النظام على استخدام الاسلحة الكيماوية وتحذير وزير الخارجية من اسقاط مشروع القرار بفيتو روسي، فقد استبق طرح مشروع القرار في مجلس الأمن بالقول:"إن ما قام به النظام هو جريمة حرب وانتهاك واضح لالتزاماته٬ وأن إجهاض قرار جديد من قبل روسيا في مجلس الأمن سيكون بمثابة مشاركة في الجريمة"، ناهيك عن امكانية فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية عليها مع ما يمكن ان تجلبه الانتخابات الرئاسية الاميركية من مواقف وما قد تحدثه من تغيرات في التعاطي الاميركي مع الملف. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب