الإثنين 2013/06/03

آخر تحديث: 20:29 (بيروت)

حقيقة الموقف الإسرائيلي من النظام السوري

الإثنين 2013/06/03
increase حجم الخط decrease
 يثير الموقف الإسرائيلي مما يجري في سوريا العديد من التساؤلات، لأنه من النوع الإشكالي، ويحتمل اللبس، ولا يمكن الإجابة عليه بطريقة مبسّطة، من مثل مع أو ضد. وهذا ناجم أيضاً، عن الطريقة التي تنظر فيها إسرائيل لأحوالنا ولأحوالها، ولمفهومها لأمنها القومي، بمعنييه البعيد والقريب.
 
على هذا الأساس بديهي أن ثمة مصلحة لإسرائيل بانتهاء هذا النظام، الذي تعتبره بمثابة قاعدة خلفية لحزب الله، لاسيما أن انتهاءه يؤدّي إلى فكفكة محور سوريا ـ حزب الله ـ طهران. لكن تفحّص هذا الأمر، بعد تفكيك العناصر المكونة له، يفيد أيضاً، بأن إسرائيل ترى في "سورية الأسد" دولة منضبطة وتتحمّل مسؤولياتها، بواقع تمتّعها بهدوء مطلق على الحدود مع سورية، على مدار أربعة عقود. أما بالنسبة إلى حزب الله، فهو لم يعد يشكّل تهديداً لإسرائيل، بعد انسحابها الأحادي من جنوبي لبنان (2000)، ووقفه المقاومة (باستثناء لحظة خطف الجنديين الإسرائيليين في العام 2006)، وغرقه في اللعبة السياسية في لبنان، وأخيراً بسبب انغماسه في معترك الصراع الجاري في سوريا، الأمر الذي أدى إلى تدهور مكانته، وانكشافه عن مجرد حزب طائفي، يشتغل وفق الأجندة الإيرانية. وبالنسبة لإيران، فإذا تجاوزنا سعيها لامتلاك الطاقة النووية، فلا يبدو أن لإسرائيل أية مشكلة معها، لأن الأسلحة التي توردها لحزب الله لم تغيّر من موازين القوى، وهذه يمكن لإسرائيل التعامل معها، كما تبيّن في أكثر من حرب.
 
وما ينبغي لفت الانتباه إليه هنا هو أن إسرائيل تستفيد من إيران، وتستثمر في السياسات التي تنتهجها هذه الدولة في الشرق الأوسط، والتي استطاعت شقّ مجتمعات المنطقة، وإثارة النزعات الطائفية والمذهبية فيها، وهو ما لم تستطعه إسرائيل طوال أكثر من ستة عقود.
 
القصد من كل ما تقدم القول بأن موقف إسرائيل مما يجري في سوريا تحكمه عوامل عديدة، وأنه موقف مركّب ومعقّد، لاسيما أن هذه معنيّة بعدم تحوّل سوريا إلى مكان تسوده الفوضى، والجماعات الجهادية المتطرفة، وبعدم نقل أسلحة لحزب الله، قد تمكنه  من تغيير معادلات القوة والردع، فضلاً عن أنها معنية بعدم تسرب أسلحة كيماوية إلى هذا الحزب إلى الجماعات المسلحة المعارضة للنظام.
 
ولعل ايتمار رابينوفيتش، سفير إسرائيل السابق في واشنطن، ورئيس وفدها للمفاوضات مع سورية (ايام اسحق رابين) هو خير من تحدث عن تعقيدات وحيثيات موقف إسرائيل مما يجري في سوريا فهو مثلاً يستعير عبارة "الشيطان الذي نعرفه خير من الشيطان الذي لا نعرفه"، والذي كان اريئيل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي في العام 2005، قد استخدمها عندما شرح للرئيس جورج بوش أسباب معارضته دفع نظام الأسد إلى الانهيار. وهذا يذكّر، بدوره، بموقف إدارة بوش التي كانت تحاول، وبتشجيع من تيار المحافظين الجدد، استثمار الغزو الأمريكي للعراق، واستكماله في سوريا، وفق نظرية "الدومينو"، لكن إسرائيل بحسب رابينوفيتش كبحت هذا التوجه، ما يعني أن ثمة سابقة لإسرائيل في ممانعة سقوط النظام. ويقول رابينوفيتش: "مع أن شارون لم يستطب على نحو خاص الرئيس السوري، إلا أنني اعتقد بأن التعاطي مع النظام المعروف في دمشق،  أفضل من بديل ليس مؤكدا.. لقد كان الأسد حليفاً لإيران، ووفّر لها جسراً برياً لحزب الله في لبنان. ودعم حماس والجهاد الإسلامي، ولكن إلى جانب ذلك حافظ على حدود هادئة في هضبة الجولان، وورث سمعة أبيه كعدو يتصرف بشكل معروف ومتوقع.. على إسرائيل أن تسعى مرة أخرى نحو السياسة التي ميّزتها على مدى معظم أيام الحرب الأهلية، أي الامتناع قدر إمكانها عن الانجرار إلى الأزمة السورية، وحماية مصالحها الأمنية الحيويّة بتصميم، وإن كان بحذر وبكتمان. ("نشرة "نظرة عليا"، 23/5/2013). 
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب