الخميس 2013/06/20

آخر تحديث: 20:47 (بيروت)

تطييف المجتمع العراقي

الخميس 2013/06/20
increase حجم الخط decrease
ما الذي كان سيحدث في العراق مع موجة الثورات العربية لو أنه لم يحتل في عام 2003 ويرسم له مشروعه السياسي؟ أي نموذج كان سيسلكه المجتمع العراقي من النماذج العربية: المصري والتونسي أم السوري والليبي ... أم نموذجه الخاص.
 ما كادت الدول القطرية الناشئة حديثا في الوطن العربي -إثر تسويات واتفاقيات استعمارية- أن نالت استقلالها السياسي حتى وقعت تحت أنظمة سياسية استبدادية شمولية ساوت بين مؤسسات الدولة ومؤسسات النظام السياسي. مما جعل من تلك المؤسسات أداة لقمع الشعوب بدلا من أن يتطور عملها لاستكمال بناء دولة وطنية حديثة متماسكة، تعمل وفق نظام مؤسساتي مستقل. كما ارتكزت تلك الأنظمة على  شبكة من العصبيات ما قبل المدنية والاستزبانات الاجتماعية السياسية في تكوين أجهزتها الضاربة، واختراق بنية المجتمع من خلالها، مما عزز عملية إعادة بناء تلك العصبيات وتوظيفها سياسيًا، ما كرس وزاد من قوة هذه الجماعات العشائرية والطائفية والاثنية وحَدّ من ترسخ مفهوم الدولة الوطنية. لقد عملت الأنظمة السياسية الحاكمة في المشرق العربي على إدارة التنوعات الهوياتية بقصد كسب الولاء وديمومة استبدادها بدلا من أن تعمل على ترسيخ الهوية الوطنية، ولو تقاطعت مع بث قيم عروبية في بعض الحالات، لكنها فشلت في تحقيق التنمية الاقتصادية وغيبت شروط الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وأفقدت المواطنين أغلب قواعد حقوق الإنسان، مما سمح ببقاء الهويات الفرعية الموروثة من الحقبة الاستعمارية بل وطغت على الهوية الوطنية.
  وقع العراق في فخ الاقتتال الطائفي بعد الاحتلال، وتتزايد حدة الخطاب المذهبي مع الواقع السياسي العراقي الحالي على الرغم من موجة قيم الحرية والديمقراطية في الثورات العربية. فهل يعني هذا أن المجتمع العراقي هو مجتمع طائفي سواء جاء التغيير في العراق عن طريق الاحتلال أم الثورة؟ وهل من مؤشرات تعكس غير ذلك؟
تشير نتائج استطلاع المؤشر العربي 2012/2013 الذي يجريه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات سنويا إلى أن 53% من المستجيبين الشيعة يرون أن الحل الأمثل لحل الأزمة السورية هو تغيير نظام الحكم في سورية في مقابل 52% من السنة. ويؤيد 35% من العراقيين الشيعة تنحي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة بينما يؤيد ذلك 72% من العراقيين السنة كأفضل حل لإنهاء النزاع في سورية. وبالتالي ينبغي الفصل في الموقف العراقي من انتفاضة الشعب السوري بين القوى السياسية العراقية والمستوى الشعبي. كما أن عملية الفصل بين تلك المواقف لا ينبغي أن تبنى بحكم مسبق على أساس الانتماءات الطائفية، على أساس أن الموقف الشيعي إن صح التعبير مع النظام وبالتالي ضد الشعب السوري، بمقابل موقف سني مساند لها. وتشير نتائج المؤشر العربي لعام 2011 أن العراق هو البلد العربي الثاني بعد لبنان الذي يرى مواطنوه بضرورة فصل الدين عن السياسة إذ أن 47% يوافقون جدا على ذلك و27 % يوافقون إلى حدا ما ولم يعارضه إلا 5 % فقط. لم يشهد العراق اقتتالا طائفيا في مناطق التعايش المذهبي الاخرى في جنوب العراق مثلا، حيث توجد اعداد كبيرة من السنة تتعايش مع الاغلبية الشيعية، مثل الزبير وابي الخصيب في البصرة، وبنسب ليست بالقليلة في محافظات ذي قار والقادسية وواسط. وفي صلاح الدين حيث الاغلبية السنية توجد مدن وقصبات شيعية مثل الدجيل وبلد والدوز. بينما تركز الاقتتال المذهبي في بعض مناطق بغداد وديالى وبابل حيث وجدت فيها الجماعات التكفيرية بعض الحواضن، قابلها نشاط المليشيات كأفعال وردود أفعال.
لا تعبر النتائج السابقة إلا عن ضرورة رفض التعامل مع أية جهة كممثل لطائفة معينة وضرورة التعامل مع الفرد ضمن الجماعة الأهلية بصفته مواطنًا له توجهاته وايديولوجيته الخاصة، وليس كعضو في جماعة معينة. ولذلك فإن الاقتتال الطائفي في العراق ليس انتصارا للهوية الطائفية في محاولتها فرض نفسها كهوية واحدة. ويتمثل ذلك في فشل أي من القوى في تقديم نفسها على أنها الممثل الشرعي لجماعة قائمة بحد ذاتها.
أما المشكلة فتكمن بالقوى السياسية المحلية المتنافسة التابعة ثقافيًا وسياسيًا إلى قوى خارجية لها مصالحها الخاصة المتضاربة والمتصارعة في النظام الدولي. وبالتالي عندما يقع العنف والاقتتال المحلي في المجتمعات المتعددة الهويات المسيسة والمرتبطة خارجيا ما هو إلا عبارة عن صورة لتلك المصالح المتضاربة بين القوى السياسية المحلية والدولية في ظل مجتمع يعاني من أزمة في الهوية. وهذا لا يعني أن تلك القوى ليس لها جمهورها، ولكن هذه الفكرة ليست الوحيدة، أما المفقود فهو أصوات العراقيين.
إذا لا يمكن وصف المجتمع العراقي بالمجتمع الطائفي ولا توجد جماعة سياسية ممثلة لطائفة معينة، ولكن المشكلة تكمن بأن الاحتلال ومن معه بنوا نظاما يقوم على أسس فرعية ارتبطت فيه أغلب القوى السياسية العراقية بمركبات خارجية. وربما لو لم يحتل العراق وتم فرض الطائفية عليه، لشكل رافعة للتحول الديمقراطي في المشرق العربي.
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب