الثلاثاء 2013/05/28

آخر تحديث: 02:07 (بيروت)

بين قيادة عاجزة وأخرى ترعى الرجولة!

الثلاثاء 2013/05/28
increase حجم الخط decrease
 منذ أعوام عديدة لم تعد الخيارات السياسية الفلسطينية تصدر عن إطارات قيادية أو هيئات شرعية. فقد اختفى المجلس الوطني الذي كان بمثابة برلمان للفلسطينيين، رغم المآخذ على طريقة تكوينه. أما المجلس التشريعي، وهو برلمان الضفة وغزة، فبات في غيبوبة نتيجة الاختلاف بين "فتح" و"حماس"، وانقسام النظام الفلسطيني إلى سلطتين. 

الأنكى أن قيادتي هذين الفصيلين المهيمنين، على السلطة والمجتمع والموارد، ليس فقط لا تعملان على أساس التواصل والتكامل، أقلّه في مواجهة إسرائيل، بقدر ما تعمل كل واحدة منهما على تبخيس الأخرى، والتقليل من شأنها. وفوق ذلك فهما تعملان بطريقة أحادية، إذ لا شريك فعلي لـ "فتح" في إدارة السلطة في الضفة (وهي أيضاً قيادة المنظمة) ولا لحماس في إدارة السلطة في غزة، رغم الفارق بين الطرفين لصالح الأولى بحكم خبرتها في التعاطي مع أطراف الطيف الفلسطيني.
 
هكذا، مثلاً، خرجت تسريبات من أوساط سلطة الضفة، تفيد بإمكان تحويل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير إلى حكومة مؤقتة، وهو أمر مفاجئ، يثير العجب ويطرح التساؤلات بشأن شرعية هذه اللجنة وأهليتها لاسيما أن معظم أعضاؤها في العقد الثامن، وبشأن كيفية صنع القرار مع غياب المجلس الوطني، منذ عقود، علماً أن هذه المنظمة مهمّشة منذ قيام السلطة (1993).
 
وكان الرئيس أبو مازن (رئيس المنظمة والسلطة وفتح) فاجأ الفلسطينيين، وكياناتهم السياسية قبل أسابيع، بتوقيعه اتفاق مع العاهل الأردني (وليس الأردن) منحه فيه حق الوصاية على الأماكن المقدّسة في القدس، في سابقة فريدة في التنازل عن شأن سيادي، علماً أن "فتح" والمنظمة، طالما قاومتا أية محاولات لازدواجية التمثيل والتدخل في الشأن الفلسطيني، بل إنهما دخلتا في منازعات مع أكثر من دولة عربية على هذا الأمر. وخذ على ذلك رفضها زيارة أي رئيس لقطاع غزة دون التشاور معها، والضجّة المضرّة والمبالغ فيها التي جاءت ردّاً على زيارة الشيخ القرضاوي إلى غزة مؤخّراً. ويأتي في هذا الإطار "السخاء" إزاء إسرائيل، بتجميد استثمار مكانة دولة فلسطين (كعضو مراقب) في الأمم المتحدة، في ما يخصّ ملاحقة انتهاكاتها أمام المنظمات الدولية. 
 
في المقابل، فإن وضع سلطة "حماس" في غزة لا يبدو أحسن حالاً، فأجهزتها الأمنية والدعائية مشغولة بـ "مراقبة من يحاول خفض مستوى الرجولة"، بحسب وزير داخليتها (فتحي حماد) الذي طالب من لا يعجبه ذلك بالرحيل، كأنه لا يكفي الفلسطينيين أن إسرائيل تطردهم، والأنظمة العربية ترميهم على حدودها وتنكّل بهم! هذا يستدعي أيضاً، تفحّص معنى الرجولة الذي يقصده الوزير العتيد ومعياره! وماذا إذا حصل فائض "رجولة" عند شخص ما؟ ما العمل حينها؟! ناهيك أن هذا الكلام فيه ذمّ بالأنوثة وتقويض لقيمة المساواة من أشخاص يلقون الكلام دون التبصّر في معانيه، فيما هم يتوخّون تحويل الناس إلى "قنابل" موقوتة (بحسب تصريح الوزير). 
 
ومعلوم أن هذه ليست القصة الوحيدة، إذ سبق أن انشغلت الأجهزة الأمنية في القطاع بمراقبة السلوكيات والتدخّل في خصوصيات المواطنين "المعتّرين"، والتضييق على حرياتهم (ومنها حرية الرأي)، وشنّ حملات لقصّ الشعر، وقياس البناطيل، حتى ليخال المرء أن غزة باتت تشبه شارع الحمرا أو جونية، في لبنان. وقد شهدنا تفاقم هذه المشكلة مع صعود الشاب الغزاوي الموهوب (محمد عساف)، في برنامج "عرب آيدل"، إذ شنّت حملات ضده، حمّلته ما لا يحتمل، من إفساد الشباب ووهن عزيمتهم الوطنية، بدلاً من الاحتفاء به ومشاركة أهل غزة والفلسطينيين عموماً، بعض الابتهاج بنجاحه، في عالم يقسو على الفلسطينيين، ويستكثر عليهم أية فرحة.
 
يدلّ هذا عموماً على تدهور الحركة الوطنية الفلسطينية، التي تحولت إلى مجرد سلطة، في الضفة والقطاع، وباتت تنشغل ببعضها أكثر من انشغالها بإسرائيل، فيما هذه تواصل الاستيطان، في واقع من الاحتلال المريح والمربح.
 
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب