الأربعاء 2013/05/22

آخر تحديث: 08:59 (بيروت)

كيف ترسّخ القيادات الفلسطينية هيمنتها؟

الأربعاء 2013/05/22
increase حجم الخط decrease
 تنطوي حال الفلسطينيين على مفارقات كبيرة، لعلّ أهمها يتمثّل في استمرار الطبقة السياسية ذاتها في الهيمنة على الحقل السياسي ردحاً كبيراً من الزمن، رغم إخفاق هذه الطبقة في إنجاز المهام الوطنية المنوطة بها، في المقاومة أو المفاوضة أو بناء الذات، أي في تلك المتعلقة بمواجهة إسرائيل أو المتعلقة بتطوير أحوال مجتمعها، وضمنها الحفاظ على وحدته، وتطوير ثقافته السياسية، والارتقاء بمؤسّساته الكيانية الجمعية.
المشكلة لا تتوقّف على ذلك فحسب، إذ أنها تشمل أيضاً، عجز الفلسطينيين عن تغيير هذا الواقع. وكأن القيادات المتحكّمة بهم، في المنظمة والسلطة والفصائل، باتت بمثابة قدر لهم. والعجز هنا لا يقتصر على فقدان القدرة على إحداث تغيير سياسي في المنظمة والسلطة، وفي الفصيلين الرئيسيين "فتح" و"حماس"، وإنما هو يشمل حتى الفصائل الصغيرة التي لم يعد لها دور وطني يذكر، ولا مكانة في مجتمعات الفلسطينيين إن في الداخل أو في الخارج.
هكذا، ثمة فصائل بات عمر أمينها العام يناهز عمر عشرة رؤساء للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ينطبق مثلاً، على نايف حواتمة، وأحمد جبريل، والمفارقة أن الأول يعتبر أميناً عاماً لفصيل "يساري"، إسمه الجبهة الديمقراطية، كما ينطبق ذلك على كثيرين من قيادة "فتح"، وحتى على قيادات "حماس"، الفصيل "الشاب"، بين الفصائل، والذي بات عمر طبقته السياسية يناهز الربع قرن!
هذا الوضع الشاذ يميّز الوضع الفلسطيني عن غيره، وهو ناجم عن عدّة عوامل يأتي في مقدمتها تمزّق مجتمع الفلسطينيين وتوزّعه على أكثر من بلد وخضوعه إلى سلطات متباينة. ما يضعف علاقات التواصل والتفاعل بينهم، ويشتّت قوتهم. وينجم عن هذه الحالة الفريدة أننا إزاء مجتمعات فلسطينية، إن جاز التعبير، تتباين أولوياتها ومصالحها، ويفاقم من ذلك تعدّد المرجعيات القيادية، وتحوّل مركز العمل الوطني إلى الداخل، مع تهميش دور اللاجئين وتغييب منظمة التحرير وانقسام النظام السياسي.
من هذه العوامل أيضاً، الطبيعة الريعية للكيانات السياسية الفلسطينية، والتي تتجلّى في اعتمادها على الموارد المتأتّية من الخارج، بدلاً من اعتمادها على الموارد المتأتية من شعبها ومن إمكاناته الاقتصادية. وينجم عن ذلك غياب تقاليد المكاشفة والمحاسبة، وتنمية سلوكيات الفساد والميل للمحافظة وفوقها الارتهان للتوظيفات السياسية الخارجية. ويفاقم من هذه المشكلة أن ثمة حوالي ربع مليون من الفلسطينيين يعتمدون في عيشهم على العمل في السلطة والمنظمة والفصائل، وهؤلاء مع عائلاتهم يشكّلون كتلة اجتماعية كبيرة. 
فوق هذا وذاك، ثمة استناد النظام السياسي الفلسطيني إلى نظام المحاصصة الفصائلية "الكوتا"، المستند إلى فكرة "الشرعية النضالية" التي باتت مستهلكة منذ عقود، ومنذ انتهاء مرحلة المقاومة المسلحة في الخارج، والتي رسّخت الجمود في الحياة السياسية الفلسطينية، بإبقائها فصائل لا دور ولا معنى لها البتّة. ومع أن الشرعية الديمقراطية، التمثيلية المتأتية من صناديق الاقتراع، باتت تشق طريقها في السلطة في كل من الضفة والقطاع، إلا أنها لم تنسحب على المنظمة. ناهيك عن عدم تمثلها على النحو المناسب، بسبب طبيعة الفصائل الفلسطينية. ولأن سلطة الاحتلال التي لعبت دوراً سلبياً في تقييدها الديمقراطية الفلسطينية، والشرعية التمثيلية/الانتخابية.
ولا شكّ، أخيراً، أن طبيعة الفصائل القائمة على علاقات "التفريغ" والزبائنية والبنى الميليشياوية، واستحواذها عناصر السلطة المتمثّلة بالموارد المالية والقوة العسكرية والنفوذ الإقليمي "الوظيفي"، هي التي تمكّنها من الاستمرار، ومن التحكم بمجالها الاجتماعي، بغض النظر عن مؤهّلاتها أو قدرتها على القيام بالمهام الوطنية المنوطة بها. والخلاصة فإن التغيير السياسي الفلسطيني سيأتي لكن ذلك بحاجة، قبلاً، إلى تغييرات في البيئة السياسية العربية.
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب