الأحد 2015/11/29

آخر تحديث: 08:58 (بيروت)

لن تنجح الحرب على الإرهاب

الأحد 2015/11/29
increase حجم الخط decrease


   الحرب ضد الإرهاب في سوريا فاشلة، وإليك البعض من عيوبها الهندسية:

أولاً، قادة هذه الحرب ليست أولويتهم "الحرب ضد الإرهاب"، وإن تباكوا على شروره صبحاً ومساءً. لكل طرف "قوي" من هذه الحرب غرضه شبه المعلن، الذي لا يخفيه تماماً، وإن أحاله الى المرتبة الثانية، أو الثالثة في آلته الدعائية. والذي يجمع أعداء الإرهاب الاسلامي هو تشبههم بعدوهم، الذي يتوق إلى إعادة تأسيس إمبراطورية إسلامية آفلة. فتكرّ مسبحتهم: إمبراطورية فارسية، قيصرية، عثمانية، إستعمارية حديثة... هي المتكلمة الخفية، ذات الأولوية، وليس تخليص البشرية من شرّ الارهاب.

ومن المنطقي، بناء عليه، ثانياً، أن تكون الحرب الحقيقية هي بين أولئك الأعداء المزعومين للإرهاب، أكثر ما هي حرب ضد الإرهاب. الحلفان القائدان للإرهاب يتراشقان، يتساجلان، يتفاوضان؛ وخلف "صراعهما" في الحرب على الإرهاب، يوجهان لبعضهما ضربات، لا تتقدم خطوة واحدة في إيذاء الإرهاب. والأخطر من ذلك انه، داخل التحالفات نفسها، يسود الشك، والريبة، والصراع الصامت، والمنافسة على الفوز ببطولة سحق الإرهاب، كلٌ حسب نظرته إلى مدى شوكته "الإقليمية". بين الجبهات المتخاصمة وداخل الائتلافات الواحدة، ديناميكية الصراع أقوى من ديناميكية الحرب على الارهاب (هذا ما يضحك في وصف بوتين لإسقاط طائرة روسية بسلاح الجو التركي من انهم، أي الأتراك، "طعنوه في الظهر!").

ثالثاً، لأن كسب الحرب ضد الإرهاب بالنسبة لـ"الخائضين" بها، هي بمثابة حرمان النفس من ورقة "محاربة الارهاب". هذه الورقة مربحة جداً للأطراف التي تريد ممارسة سيادتها "التاريخية" على سوريا؛ فقد سمحت لها بتوسيع "مجالها الحيوي"، وباستعادة نفَسها الإمبراطوري، بتصريف سلاحها، وبفتح أبواب اتخاذ القرار في المصير السوري الخ. (مثل القضية الفلسطينية في أيامها، صار مطلوبا عدم حلّها، عدم إنهائها، وإلا طارت فرص إثبات الذات والسلاح).

رابعاً، بالمعنى العسكري البحتْ، قادة الحرب ضد الإرهاب يأنفون من النزول إلى الميدان بقواتهم البرية (باستثناء الميليشيات المنهكة). يقصفون جواً، بلا تمييز، بين مجموعة وأخرى، بين مدنيين وعسكريين، بين إرهابيين ومتمردين. فيقتلون الدروع البشرية التي يصدّرها الإرهاب في مناطقه، ويفتحون عقول الإرهاب على الأنفاق السرية حيث يختبؤون هم وعتادهم العسكري وتموينهم الخ، فيعززون بذلك البيئة الحاضنة للإرهاب على أوجه لا يتخيلونها، أو ربما تخيلوها وتجاهلوها، أو تناسوها، كأنهم يعون سلفاً فشل مهمتهم المعلنة.   

خامساً،  لأن الصيغة السياسية الملازمة لهذه الحرب يشوبها، على الأقل، الإرتباك. مثل الحزورة، الجميع يصطدم بها كلما لاح النقاش الجدي لمآلاتها: هل هذه الحرب تتم بموازاة الحرب ضد بشار الأسد؟ أم قبلها؟ أم بعدها؟ نقاش مستعاد، حتى بين الذين يحاربون بشار الأسد. أو نقاش مستجد، لدى دولة مثل فرنسا، لم تعد هي أيضا امبراطورية، مفترض انها ضد بشار على طول الخط، تتأرجح الآن، وربما توازن، بين حلفائها الأميركيين، و"المنسّقين" الروس، وكلاهما يقود السجال "قبل بشار أو بعد بشار".

تاريخياً، نعرف عن السنوات العجاف التي تلت عملية 11 ايلول الإرهابية في نيويورك، ان ردة الفعل الأميركية، البالغة العدوانية، كانت دماراً شاملاً في أفغانستان والعراق، ولّدت جيلاً جديداً من الإرهاب، أشد اتساعاً وتنظيماً وإيغالاً في فنون القتل. ولكن التحول الذي قاده أوباما من بعد ذلك لم يكن أنجح: مزج أوباما بين "القتل المصوَّب"، مثل قتل بن لادن، والقتل العشوائي عن طريق "الدرونات" (طائرات من دون طيا drones )، وبين سحب الجيوش من العراق، وافغانستان، ليتراجع عن الأخيرة بعد تصاعد نفوذ "طالبان". أي أن لا الحرب الشرسة ضد الإرهاب أثمرت، ولا الحرب "الإنسحابية"، نفعت؛ كلاهما منحا الإرهاب طاقات متجددة. والنتيجة الثانية،  هي ان الحرب الأميركية على الإرهاب في العقد الماضي قلّصت من حدود الحريات المدنية والفردية درجةً. أما الآن، مع المرحلة الثانية من الحرب ضد الإرهاب، فإن هذا التقييد للحريات هو في طريقه نحو مزيد الإعتلاء. وهذه نقطة لصالح الإرهاب، أعمق من الطائرات والصواريخ وكل الخطط العسكرية أو الأمنية، "الذكية" منها والغبية.      



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها