الأربعاء 2014/09/17

آخر تحديث: 07:52 (بيروت)

تحالف المتخالفين

الأربعاء 2014/09/17
increase حجم الخط decrease

سلّطت لقاءات السيد جون كيري في جدة وأنقرة والقاهرة وباريس الضوء على الخيارات المتعارضة التي تتطلع اليها الدول التي ارتضت المشاركة في التحالف الدولي الذي سيواجه داعش عسكريا واقتصاديا، والمدى الذي ستذهب اليه في المواجهة والنتيجة التي ترتضيها كل دولة للصراع.

لم يكن اجتماع جدة(11/9/2014) الذي ضم عشر دول عربية الى جانب تركيا والولايات المتحدة ناجحا بالصورة التي تحدث عنها السيد كيري : لم تقبل تركيا التوقيع على البيان الختامي بذريعة عدم تضمنه اسقاط النظام السوري، وتمسكت بموقفها خلال زيارة كيري لأنقرة واكتفت بالقيام بدور لوجستي وإنساني، وحديث الوزير السعودي سعود الفيصل عن عدم كفاية مواجهة داعش عسكريا وضرورة مواجهته فكريا، وتباين رؤية مصر حول طبيعة المواجهة وساحتها، ما يعكس تحفظها على خطة اوباما التي تركز على مواجهة داعش في العراق ثم في سوريا، وهذه بالإضافة الى التصريحات الالمانية التي تحفظت على المشاركة العسكرية، والبريطانية التي استبعدت المشاركة في قصف داعش في سوريا، ودعوة فرنسا الى عقد مؤتمر حول العراق في باريس ما يعني وجود تباين مع الموقف الامريكي. أثارت اسئلة حول قدرة التحالف على تنفيذ المهمة المطلوبة وحول الفترة الزمنية والكلفة المادية والبشرية. فاتفاقا نيوبورت (اتفاق عشر دول اطلسية على التحالف ضد الارهاب)وجدة، اللذان شكلا ركيزة تحالف الراغبين، ينطوي على تعارضات وتباينات حول المدى الذي يمكن ان يذهب اليه كل طرف ورؤيته للطريقة المناسبة لهزيمة داعش والأهداف المتوخاة من العملية في ضوء تباين المصالح والتصورات والاستعدادات. فالسعودية اولويتها مواصلة عزل ايران وإضعاف دورها في المشرق العربي من خلال اعادة تشكيل الفضاء السياسي العراقي بحل الميليشيات الشيعية وإشراك السنة العرب في العملية السياسية بطريقة تجعلهم شركاء فعليين في القرار السياسي، وإسقاط رئيس النظام السوري، في حين تريد مصر توسيع دائرة الحرب على الارهاب بحيث تشمل جماعة الاخوان المسلمين والتنظيمات الجهادية في مصر وليبيا، وتوقّف واشنطن عن انتقاد ممارسات النظام واستئناف ارسال المساعدات العسكرية، بينما تسعى قطر الى تحسين صورتها وتخفيف الضغط الامريكي والسعودي عليها عبر قيامها بإبعاد اعضاء من جماعة الاخوان المسلمين المصريين، وبالتوسط لإطلاق الرهائن الدوليين واللبنانيين، وتعزيز موقفها الاقليمي عبر التحالف مع تركيا. تركيا من جهتها تريد تجنب مشكلات قد تضر بفرص حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية القادمة والتي يعول عليها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان كثيرا كي يواصل خطته في تحويل النظام التركي من نظام برلماني الى نظام رئاسي، وأي نتائج سلبية نتيجة للحرب على داعش مثل اعدام الرهائن الاتراك عند داعش( 49 شخصا بينهم اعضاء القنصلية التركية في الموصل والقنصل) او الاصطدام بالأكراد السوريين وتعطيل المصالحة مع اكراد تركيا، قد تطيح بفرص تحقيق فوز كاسح في هذه الانتخابات البرلمانية يتيح تعديل الدستور التركي وتحقيق هدف اردوغان المشار اليه، ناهيك عن التخوّف من التغيرات المترتبة على الحرب وتسليح البيشمركة واحتمال وصول اسلحة متطورة الى حزب العمال الكردستاني.

قدمت الولايات المتحدة محفزات لإقناع الدول العربية بالمشاركة في التحالف والانخراط في مواجهة داعش من الموافقة على دعم المقاتلين السوريين المعتدلين، وعلى تدريبهم في السعودية، الى رفض التنسيق مع النظام السوري، واستبعاد إيران من التحالف، الى رفض مشاركتها في مؤتمر "الامن والسلام في العراق" الذي عقد في باريس يوم الاثنين 15/9/2014، مرورا بالالتزام بانجاز حل سياسي في سوريا يستبعد بشار الاسد، فحاجتها ماسة الى انخراط دول عربية في المعركة لاعتبارات تتعلق بالتغطية السياسية والدينية للحرب ناهيك عن المساهمة في نفقاتها. وقد سربت جهات امريكية مرافقة لكيري خلال زيارته الى بغداد ما تتوقعه من هذه الدول حيث للسعودية دور في قتال داعش عند المثلث السعودي الاردني العراقي ولدول الخليج الأخرى دور لوجستي: فتح القواعد والأجواء والمطارات ونقل السلاح والذخيرة الى العراق، بالإضافة الى اقناع العشائر السنية بالقتال الى جانب الحكومة العراقية، في حين يقوم الاردن بتدريب القوات العراقية وتقديم دعم استخباراتي، وتقوم مصر بإرسال قوات برية الى سوريا.    

وقد عكس هدف فرنسا المعلن من عقد مؤتمر "الأمن والسلام في العراق"، وهو توزيع الادوار في مواجهة داعش، عدم موافقتها على التصور الامريكي للأدوار، ودعوتها الوزير الروسي سيرغي لافروف، ورغبتها في دعوة ايران، وجود تباين وتنافس فرنسي أمريكي، ففرنسا لا ترضى بقيادة أمريكا للتحالف وتريد العودة الى الساحة العراقية وضمان حصة مناسبة من كعكتها بعد ان أخرجتها واشنطن هي وروسيا منها بعد احتلال العراق عام 2003، وألمانيا لا تريد الانخراط في صراع يضعها في مواجهة جماعات متطرفة على ارضها بالنظر الى حجم الجالية المسلمة فيها وتوجهاتها السياسية والاجتماعية، وبريطانيا مازالت تعاني عقدة رفض مجلس العموم لمشاركتها بالقصف الامريكي المزمع على سوريا بعد استخدام النظام للأسلحة الكيماوية في الغوطة في 21/8/2013، وترغب بالاحتفاظ بالعلاقات الاقتصادية الجديدة مع ايران وبالإيداعات المالية الروسية الضخمة في مصارفها.  

هذه التباينات والتعارضات في الرؤية والأهداف بين شركاء التحالف تشي بالكثير من العقبات والتعقيدات ازاء المعركة واحتمالاتها وانعكاساتها، والوضع سيكون اعقد وأكثر خطورة اذا اضيف اليها الدور الذي يمكن ان تلعبه جهات اقليمية ودولية رافضة للإستراتيجية الأمريكية(ايران وروسيا) التي لم تُستبعد من التحالف فقط بل وجاءت استراتيجية اوباما التي ستحكم حركة التحالف على الضد من مصالحها ان في سوريا او في العراق، ناهيك عن الاشتباك القائم حول اوكرانيا بين الأخيرة والغرب، وقد بدأتا في الاعلان عن عدم رضاهما عن التوجهات الامريكية والخطط المطروحة عبر المطالبة بالالتزام بالشرعية الدولية والتحرك بعد الحصول على قرار من مجلس الامن الدولي، والمطالبة بالتنسيق مع النظام السوري قبل القيام بأي عمل عسكري في سوريا، الى التحفظ على تسليح المعارضة باعتباره وسيلة لتغيير التوازن العسكري مع النظام، الى اعتبار التحالف عملا انتقائيا غير مقبول والهجوم عدوان على شعوب المنطقة، وصولا الى اتهام واشنطن بصنع داعش واستثمار العملية لإعادة احتلال المنطقة، والتلويح بقيام روسيا بقصف مواقع داعش في سوريا على خلفية اعتبارها اداة أمريكية.

هل تنجح واشنطن في تقريب وجهات النظر داخل صفوف التحالف وتعزز تماسكه وقوته، وهل ستأخذ الموقف المناسب لردع الدول المناوئة بحيث تفتح الطريق لعملية عسكرية وسياسية ناجحة تقود ليس الى دحر داعش فقط بل والى صياغة واقع سياسي ايجابي في الاقليم يضع دول المنطقة على طريق الامن والاستقرار في ظل نظم سياسية تحظى برضا الشعوب.

increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب