الأحد 2015/12/06

آخر تحديث: 17:05 (بيروت)

#ثورة_حتى النصر: حلم انتهت صلاحيته

الأحد 2015/12/06
#ثورة_حتى النصر: حلم انتهت صلاحيته
التاريخ في الحالة المصري يسبب الضحك والرثاء معاً
increase حجم الخط decrease

تكاد تبدو صورة المجتمع المصري هذه الأيام مطابقة لما كانت عليه قبل 25 يناير 2011: مجلس نيابي لا يتمتع بأهلية شعبية، انتهاكات الجهاز الأمني أكبر من الالتفاف حولها، حالات تعذيب أفضت إلى الموت، مجال عام مختنق ومحتقن عن آخره، أزمات اقتصادية طاحنة تخالفها البيانات الرسمية للدولة، وحاكم ذو خلفية عسكرية على رأس مؤسسات الدولة...

غير أن المشهد اليوم أكثر قتامة مما كان عليه قبل الثورة، بفعل خبرة الدولة في التعامل مع الكيانات المدنية التي تحاول اكتساب أرض سياسية، في ظل انخفاض سقف حرية الرأي إلى أدنى مستوياتها، وانغلاق الدولة على ذاتها مع تراجع حلفائها داخلياً وخارجياً.

وعليه، فإن الدعوات الإلكترونية تحت وسم (هاشتاغ) #ثورة_حتى_النصر، تبدو محاولة لاستعادة مشهد قديم بلغ من العمر خمس سنوات، بما يتخطى دعوتها لحركة "ثورية" جديدة. المشاركات الفايسبوكية والتويترية تحت هذا الهاشتاغ، محبوسة لغوياً ومجازياً تحت أفق ما تم إنجازه في 2011. حتى الخيال الذي يحكم تلك المشاركات، لا يبدو أكثر من "إعادة تغريد" لما تم إنتاجه سابقاً. مخالفة بذلك مفهومنا المألوف والأكثر بديهية عن الثورة بما هو انتفاضي.

فالفكرة، تتمثل بأمل إزاحة حقائق العنف القائمة عن طريق إسقاط الدولة، ثم،  إطلاق العنان لقوى الخيال والإبداع الشعبيين للتغلب على البنى التي تخلق الاستلاب.

آلاف المشاركين في الدعوات الإلكترونية، لا يحاولون خلق خيال جديد في زعزعة البنية الشرسة والإطباق العام للدولة بأجنحتها الاستبدادية. وعلى هذا النحو تسير الاقتراحات في القبض على عناصر التشابه بين حالة مصر قبل يناير 2011، ويناير 2016 القادمة.

وعلى ذلك، تبدو مطالبات "الثورة الجديدة"، أقل طموحا من سابقتها. سقفها الأعلى الآن محصور في الإفراج عن المعتقلين السياسيين (بلغ عددهم حسب الإحصائيات الرسمية 120 ألف معتقل سياسي) وحالات الاختفاء القسري (تجاوزت 14 ألف حالة)، ومطالبات بحرية الرأي والتعبير وفتح المجال العام للعمل السياسي. وهذا في أكثر الاحتجاجات واقعية. أما في حدها الأقصى، فهو ترداد لشعارات قديمة على شاكلة "عيش حرية حياة اجتماعية" وغيرها من شعارات الثورة القديمة.

وإذا كان التاريخ في نسخته الثانية يتحول إلى مسخرة تسبب الضحك، فهو في الحالة المصرية الجديدة يسبب الضحك والرثاء معاً. فالنزعات الثورية الجديدة تستدعي "المشهد" الينايري كأكثر صور الإنتاج الثوري نقاوة، بعد خمس سنوات من ذوبانه في خطوات فاشلة الواحدة تلو الأخرى. الثورة في استدعاءاتها، محصورة في الأيام الـ 18 التي انتهت بتنحّي مبارك، في ما يبدو أنه محاولة عنيدة لتكرار الماضي بأخطائه وخطاياه، فالدولة ليست برئيسها ولا وجوهها الأبرز، كما أثبتت لنا نكساتنا المتوالية حتى صعود السيسي.

هنا، يقدم المشهد معطيات "زائفة" عن تفاصيله الماضية، وهي الوحيدة الجديرة بالاستدعاء. فلا الدولة انهارت ولا قدمت تضحيات، بل استطاعت أن تعيد ترتيب أوراقها بما يناسب تحركات جديدة ومفاجئة تماماً. وكيف أن "شوية العيال القاعدين على الإنترنت"، إستطاعوا أن ينقلوا هذا الغضب الافتراضي إلى الواقع. اليوم مع خبرة الدولة في التعاطي مع هذا الفضاء الافتراضي، لم تعد المفاجأة وهذا الأفق الجديد، جديداً عليها، وقد تحول كل رموز هذا التحرك إلى المعتقلات أو العيش خارج مصر.

مشاركات "الهاشتاغ" ليست في عمومها نوستالجية، بل إن نسبة بسيطة منها حولت هذه الدعوة إلى منصة سخرية من فكرة الاستدعاء في حد ذاتها، بل واستغلها البعض بما إنها الأكثر تداولاً، للترويج لمنتجاته. فليس غريبا أبدا عندما تبحث عن #ثورة_حتى_النصر أن تجد تغريدة تبشرك بأن الزنجبيل والقرفة يخففان الألم!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها