الأربعاء 2015/01/21

آخر تحديث: 18:11 (بيروت)

شعب نومه ثقيل

الأربعاء 2015/01/21
شعب نومه ثقيل
increase حجم الخط decrease

ليس الكذب على الذات كما يحدث معك الآن، كأن تعرف حقيقة أمرك لكنك ترفض مصارحة ذاتك بذلك. تنقل لذاتك معلومات أخرى لا تشبه حقيقة نفسك بأي شكل من الأشكال، بل ويمكنك أن تغير الوقائع حتى لو كنت واقفاً أمام المرآة، فتجمِّل ملابسك  بكلمتين حلوين، وتظبِّط تسريحتك الفاشلة بجملة اسمية لا مبتدأ فيها ولا خبر.

 

ولا خبر. لا حامض حلو ولا شربة. كل شي بيصير عندك شربات. وبكلمتين حلوين من جنابك بيحلى المر وبيقلب العلقم عسل. لا ليس هذا ما كنتُ أفكر به، كنتُ أفكر باللعب، بما أنك لعبت مع أولاد الجيران، ولعبت مع الاصدقاء، بل حتى أنك في لحظات ترفعك لعبت مع الاساتذة. وفي أشد لحظات زهدكَ لعبتَ مع الكبار. لكن هل لعبت مع نفسك؟ هل جربتَ مرَّةً أن تغمض عينيك وتعد للعشرين ثم تفتح عينيك وتبدأ برحلة البحث عن ذاتك التي اختبأتْ منك؟ أم ربما لو صفنتَ قليلاً لاكتشفتَ أنك طيلة عمرك كنت تلعب هذه اللعبة؟ البحث عن الذات الحقيقية المختبئة في أعماقك الدفينة؟

 

لكن بدرجات في البحث، لا يفعل كل الناس هذا. لا يلعب الجميع مع ذواتهم، وبالتالي يجلسون من عمر الخامسة والعشرين إلى آخر حياتهم مكتفين بما اكتشفوا من أنفسهم. لم تفكر أنك تستطيع فعل هذا الأمر أو ذاك.

 

حسمت الأمور بشكل مبكر. أنا لا أرسم، حُسِم الأمرُ. أنا ما بعرف اصلِّح الخزانة، قضي الأمر. لن أجد الاميرة أبداً، ومضى قطار العمر. ضاع العمر يا ولدي، وتمضي بقية عمرك وأنت تندب. تندبُ فرصة ضاعت منك. تندبُ حبّاً ضلَّ طريقه. تلطم صدراً خربه الهواء الملوث. تبكي كالنساء مُلكاً لم تحافظ عليه كالرجال على قولة الحاجة وهي تُبهدِل ابنها أبي عبد الله الصغير آخر ملوك غرناطة وهو يسلِّم مفاتيح الحضارة لأوروبا. وسلَّمنا مفاتيحنا التي صنعناها بأيدينا، وجلسنا نبكي ونلوم، نعاتب، حتى صارت العتابا من تقاليد البابا.

 

ويا ويلي ويا حسافة يا يابا. لم نعد نلاعب أنفسنا فأصبنا بالضجر. وكتمنا صراخنا كي لا يتضايق منّا النائمون. والأهم كي لا ينزعج الساهرون. وبالأخص العيون الساهرة.. ورضينا بما لنا على الأقل الآن. وقلنا أن التطور ما رح يصير على زماننا، وأنو التقدم ما بيلبق لنا، وأنو الحضارة شغلة بنعرفها ومارسناها وما عنا فضول لنعمل سواها.

 

اكتفينا بأمجاد الاجداد، وسمينا الأولاد على أسمائهم عسى ولعل تنقش معهم مثلما نقشَت مع أجدادهم. ثم جلسنا، حتى أننا لم نطالب بشيء سوى بزيادة ساعات النوم، وزيادة ليترات الدفء، وزيادة قوت البطون، وتحسين وضعيات الموت. باتت حياتنا مملة رتيبة لا شعاع أمل فيها، ذلك أننا استوردنا اللمبات، وهربنا من شمس شرقنا المتوهجة إلى الغرف المكيَّفة بهواء غربي بارد مستورد. ثم عدنا وجلسنا من جديد مع أننا كنا جالسين. بل وتمطعزنا، وبعض الدموع ذرفنا على أنغام ماضينا التليد وغرغرة الأركيلة ورنين الكاس وهو يُطرق بالكاس.

 

صحتين...لا تفيّقه بيفيق لحاله.. الدرَّاقن!! وإذا صار زلزال؟ لا تخاف يا أبو شريك.. شعب نومه تقيل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب