الأربعاء 2014/09/17

آخر تحديث: 16:44 (بيروت)

لبننة أوكرانيا.. والصلاحية المنتهية

الأربعاء 2014/09/17
لبننة أوكرانيا.. والصلاحية المنتهية
increase حجم الخط decrease

الحسّ العالي بالمسؤولية، دفع مواطنين أوكرانيين الى إنزال عقاب مهين بنائب في البرلمان، كان صاغ مشروع قانون يشدد القيود على التظاهر. سحبوه من بين الجموع، ورموه في حاوية للنفايات، قبل أن ينهالوا عليه بالسباب، ويرموا فوقه إطاراً ويرشوه بالمياه.



وفي هذا الإحتجاج، إحساس عالٍ بالمسؤولية الإجتماعية. لم يحرق المتظاهرون الإطارات في الشوارع. لم يقفلوا الطرقات على أنفسهم. لم يعاقبوا مواطنين لا ذنب لهم. إذا ما قورن الإحتجاج مع مثيله في لبنان، يكون المحتجون اللبنانيون في أدنى مستويات المسؤولية. ذلك إن القصاص لا ينال منه المسؤولون أي شيء. يُعاقب الملسوع، والمقهور، والمظلوم، بإقفال الطرقات عليه.

الإطار نفسه الذي رُمي به النائب الأوكراني فيتال زوراسكاي، كان ليُحرق في لبنان. هنا ثقافة الإحتجاج أقل تقديراً للمسؤولية، وللهدف. ربما نحتاج الى سنوات ضوئية، قبل الوصول الى تقدير سليم لحاجات المواطن. علماً أن المسؤول الأوكراني، لم يمدد لنفسه في البرلمان. لم يستثمر تفويض الشعب له لأربع سنوات، بتجديد الوكالة زوراً، منعاً لتداول السلطة. وما أخذ حياء، فإنه أخذ غصباً، كما تقول القاعدة المعروفة.

في أوكرانيا، كما في سائر الدول المتقدمة، ينال المجرم عقابه. هو وحده دون غيره. إهانة، إذلال، رمي في حاوية النفايات، حيث تُرمى الأطعة الفاسدة، وما تنتهي صلاحياته. ويتم تشارك الفيديو ليكون عبرة، ولا خوف من ملاحقات الكترونية، لا يُحسب حسابها. هناك، لا يمكن تحويل الحدث الى فعل طائفي. لا تطييف، ولا تمذهب، ولا سبيل لإفساد التحرك. لا جماهير تهتف بحياة الزعيم، ولا قاعدة شعبية، مستفيدة كانت أم إنتهازية، تهاجم زوراً الحق. العدالة تتحقق باليد، إذا ما فشل القضاء في تحقيقها. وفي حالة زوراسكاي وتشريعاته التي تقوّض الحرية، لا صلاحية للقضاء بتحجيمه، أو إيقافه عند حده. تولى المدافعون عن الحريات إدانته، كما يجب أن يكون الحال عليه، في جميع الدول التي تطمح لأن تكون حرة.. أو تدعي الديموقراطية قولاً وفعلاً.

قبل أن يتمكّن فيتالي من الإفلات من قبضة المحتجين، رموا عليه مشروباً وصرخت امرأة: "دعوني أركله مرّة واحدة على الأقل"! ركلة واحدة لدفعه الى حيث تنتهي صلاحية المسؤولين. هم اشبه بعبوة مياه غازية، متى انتهت صلاحيتهم. ركلة واحدة الى الحضيض. الى أتفه الأمكنة، وأكثرها بشاعة. لا ندرك إذا ركلته، لكنها كانت قادرة، على الأقل.

في لبنان، لا تستطيع أن تركل زعيماً بكلمة. بتعليق. بوردة. وطبعاً، ليس بفيديو، وليس في شبكات التواصل الاجتماعي. سيتجمهر حولك الإنتهازيون. وسيزداد الكارهون. وسيخلق منهم آخرون في ساعة الساعة. "الدولة" من جهة، وأزلام الزعيم/الطائفة من جهة ثانية. هذا الرجل "المحترم" في لبنان، إكتسب إحترامه من موقعه. لا من أفعاله. ولولا الموقع الحامي، لكان في السجن، على الأقل، بتُهم ينص عليها قانون العقوبات. لكننا نصّبناه ملكاً على أرزاقنا، وحقوقنا، علماً أنه لا يشبه الملائكة وأجناسها، بأي تفصيل.

خارج مبنى البرلمان الأوكراني، وقع المشهد الرهيب. حرك عيون العالم وآذانه. فرح الناس للغضب الشعبي، في مشهد لا يتكرر. وكان النائب فيتالي زوراسكاي عضوا في حزب الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش، وصاغ مشروع قانون في يناير/كانون الثاني الماضي يشدد بدرجة كبيرة القيود على التظاهر ضد الحكومة، كما صاغ سابقا مشروع قانون يجرم التشهير. وزوراسكاي الآن عضو في حزب التنمية الاقتصادية، وكان يسير بجوار حشود من المواطنين تجمعت خارج مبنى البرلمان عندما أمسك الناس به. ثم دفعه رجال داخل صندوق للقمامة وسكبوا عليه الماء والقوا حقيبته وإطار سيارة فوقه.

إخراج الفيديو من إطاره الأوكراني، ينفي عنه الإبتسامة والإستهجان. يحوله إلى مأساة، إذا ما أسقِط على لبنان. يحيله الى جبننا وتقاعسنا، ووضاعة تقديس الزعيم، اي زعيم، حتى لو كان باغياً. إنتهت صلاحية زوراسكاي، فرموه في سلة المهملات. هنا تنتهي صلاحية طاقم متشبث بالسلطة، فنُرمى الى وطن بديل، ونشارك، ربما بعد الحصول على جنسية أخرى، في رمي ما/من انتهت صلاحيته في سلة المهملات.

increase حجم الخط decrease