الأربعاء 2015/07/29

آخر تحديث: 17:04 (بيروت)

قاضي الرشوة الجنسية

الأربعاء 2015/07/29
قاضي الرشوة الجنسية
increase حجم الخط decrease
لم تعد التجاوزات أمراً مستغرباً في الواقع المنحط الذي تعيشه مصر. فطبيعتها ونوعيتها هي ما قد يشغل الرأي العام الآن، ولا بد من مذاق جديد ولاذع كي تصير مخالفة القانون شيئاً لافتاً. وإذا كان كيان العدالة بمؤسساته ومحاكمه ورجاله جزءاً أصيلاً من العفن، فهو أمر متوقع، لكن الجديد أن يختلط جهاز العدالة بالجهاز التناسلي لأحد عناصره، القاضي المستقيل رامي عبد الهادي الذي اشتهر أخيراً بقاضي الرشوة الجنسية.

رئيس محكمة مدينة نصر السابق بالسلطة المطلقة الممنوحة لمن هم مثله، وغياب أي نوع من أنواع الرقابة أو المحاسبة كان يجب أن يعجب بنفسه. أن يرى في ذاته القضائية المتضخمة، جاذبية جنسية كفيلة بإيقاع أجمل النساء في حبائله. ربما لم يدر بخلده للحظة أن السيدة التي عرض عليها اللقاء الجنسي ستمثل عليه الموافقة ليتم القبض عليه متلبساً بهياجه وسلطته التي انتصبت حتى أبواب الرقابة الإدارية.

وبعد افتضاح أمره، كان حسابه الشخصي في فايسبوك –المغلق الآن- صيداً لرواد الموقع الأزرق، هؤلاء الذين لا يكترثون بامتيازاته الدولتية ليكتشفوا مزبلة افتراضية. القاضي الشاب المعجب كثيرا بنفسه، يتحول من ذلك الكائن "المهيب" على المنصة بوشاحه وكلامه الذي لا يرد إلى مجرد مؤيد مطلق للدولة، مؤيد مثله مثل أي مواطن يتخيل الدولة "أمه اللي بتمسك إيده" كما في مونولوج خالد صالح في فيلم عمارة يعقوبيان.

استقال القاضي رامي عبد الهادي بعدما فضحه حسابه الفايسبوكي وأكد هياجه، وبعدما سجلت له السيدة المطالبة بالرشوة المكالمة التي يعرض عليها فيها الحكم لصالحها مقابل جسدها. لكنها ليست المرة الأولى التي يفضح فيها حساب فايسبوكي قاضياً، إذ سبقه قاضي الإعدامات الشهير ناجي شحاتة الذي استطاع أن ينكر أنه يتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي برمتها، ولم يكن بسذاجة القاضي الشاب ليتم تسجيل دليل إدانة ضده، رغم الصور التي انتشرت له مع فتيات وسيدات.

رامي عبد الهادي إذ استقال وأغلق حسابه الفايسبوكي، فهو يحاسب على "غبائه" في استخدام سلطته أولا، والتعاطي "الآمن" مع وسائل التواصل الاجتماعي بسلطته المنتصبة، وهو لا يعلم ربما أن لا سلطة على الموقع الأزرق. كان لا بد أن يتركها خارج العالم الافتراضي، ولعله درس لبقية القضاة أن تتوارى أهواؤهم السياسية وطاقتهم الجنسية في السر.

بالنسبة للدولة، فقد تعاملت مع القضية بطريقتها المعتادة، بدءاً من "حظر النشر" الذي أرسله القائم بأعمال النائب العام المستشار علي عمران إلى اتحاد الإذاعة والتلفزيون، ليكون ثاني قرار حظر نشر يقره النائب العام الجديد بعد اغتيال المستشار هشام بركات. ويؤكد مرة جديدة أن قرارات حظر النشر لا تصدر إلا في القضايا التي تمثل إحراجاً لشكل الدولة أو لبعض رجالها. كأن الدولة تقول "رجالنا يعنوننا نحن لا الشعب والصحافة".

لكن قرار حظر النشر لم يمنع مواقع التواصل بأن تجعل القضية اهتمامها الأول، فالقرار معمول به في الصحف والشاشات فقط. هكذا تتحول الدولة مرة أخرى إلى لعبة إلكترونية تحت قصف السخرية والنقد العنيف.

قد يدور في بال عبد الهادي الآن أنه لو كان أكثر حذرا، واكتفى بالخيالات الجنسية دون تحويلها إلى واقع، لكان حسابه الفايسبوكي مثله مثل آلاف غيره عادياً. لكن العيون التي تراقبه موقنة في هذه اللحظة أنه فرد من الدولة ذو انحياز سياسي فج مع مبارك ثم شفيق فالسيسي، وضد الإخوان، بل إنه استغل سلطته في نشر صورة "حصرية" لمحمد بديع المحكوم بالإعدام ليجمع "اللايكات".

تقضي أبسط البديهيات المتعلقة بمفهوم الدولة أن السلطة القضائية ليست ذات انحياز سياسي، لطبيعة سلطتها التي تنشد "العدالة". وفي دول عديدة فإن القاضي الذي يعلن عن "رأيه" في قضية تشغل الرأي العام، فهو يعرض منصبه للكثير من الحرج ويعرض نفسه للإقصاء منه.. والشواهد عديدة في هذا الشأن. أما في مصر بواقعها المنحط، فالقاضي لا يعلن فحسب تأييده للدولة، بل ينشر على حسابه الشخصي "هقول نعم للدستور، حد له شوق في حاجة؟"

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها