الخميس 2014/11/27

آخر تحديث: 17:26 (بيروت)

عن "تريلر" مهرجان القاهرة لسينما المرأة: الإبداع يتجاوز المهبل!

الخميس 2014/11/27
عن "تريلر" مهرجان القاهرة لسينما المرأة: الإبداع يتجاوز المهبل!
increase حجم الخط decrease

على الرغم من أن فيديو الدعاية المصورة لمهرجان القاهرة الدولي السابع لسينما المرأة لم يكمل الدقيقة، ولم يكد يمر يوم واحد على ظهوره في "يوتيوب"، إلا أن اللغط الذي أثاره، فتح أبواباً عديدة للنقاش حول قضايا هي في قلب الخطاب النسوي وأسئلته الحرجة من ناحية، وعن حدود حرية الإبداع وماهية الوصاية عليه.

يستعرض الفيديو في أربعين ثانية لا أكثر، عملية الولادة بلا رتوش: صراخ انتظار نهاية الآلام، وطبيبة تضع سماعة في أذنها لتقيس شيئاً ما، وهمياً، وممرضة تمسك بيد الأم الصارخة، حتى يخرج المولود المنتظر وهو عبارة عن لفافة ورقية على خلفية صوت الطبيبة وهي تقول: خلاااص خلاااص خلااص.. تنفرد اللفافة على "بوستر" المهرجان ثم ينتهي الفيديو بابتسامات الطبيبة والأم والممرضة والزغرودة التي ترددت في الختام.

الفيديو – من وجهة نظر كثيرين - مأساة مكتملة الأركان: فمن جهة فنية بحتة، يبدو ركيكاً لدرجة أن كثيرين ظنوا بأنه نوع من الدعاية الكوميدية أو "parody". الصورة المهزوزة والكادر الذي لا يحمل أي سمة فنية، كما لو كان من تنفيذ هواة بكاميرا "سمارت فون"، وليس فيديو دعائياً عن مهرجان سينما.. كيف يمكن لفيديو بهذه الضحالة والركاكة والفقر أن يكون دالاً أو جاذباً لمهرجان سينما، هو مناسبة للاحتفال بفن الصورة؟ وكيف يمكن الثقة في النظرة الفنية للقائمين على مثل هذا المهرجان وقدرتهم على التحكيم في عشرات الأعمال السينمائية؟

أما أكثر فداحات الفيديو، فهو ما تقوم عليه فكرته. ولادة المهرجان من رحم المرأة، مجاز المخاض، أكثر المجازات اختزالاً وتسطيحاً للفكرة النسوية، كما ورد في بيان حركة "قوة ضد التحرش" في صفحتها في "فايسبوك"، والذي كتبته على هيئة رسالة إلى القائمين والقائمات على المهرجان: "إننا نظن حقا أنه قد جانبكم التوفيق في هذا الفيديو إذ أنه يختزل النساء وقضاياهن المختلفة في ربطها بالمهبل وفكرة الإنجاب وهذا بالطبع اختزال مُخلّ، بالإضافة إلى أنه يؤكد على ثنائية المرأة - الطفل والتي ناضلت الكثير من النسويات لتجاوزها وللتعامل مع النساء على اعتبارهن كيانات تقدم للعالم ما هو أكثر من الإنجاب وهنا تأتي إشكالية الفيديو الذي يوحي بأن المهبل هو بوابة تقديم النساء لأي شيء لهذا العالم وإن المقدرة الإنجابية هي التصور الوحيد لأي إسهام من الممكن أن تقدمه المرأة. إننا بالطبع نؤكد على عدم تحرجنا من الإشارة إلى الأعضاء التناسلية للنساء في الفيديو، لكن أي تناول تقدمي ونسوي للقضايا الجنسية يجب ألا يقتصر بحال على الإنجاب فقط".

غير أن الهجوم على الفيديو وانتقاده كان يمكن أن ينتهي عند بيان "قوة ضد التحرش"، بل إن بعض المتسامحين مع الزلل قبلوا إعادة تأويل الفيديو خارج فكرته الواضحة، لولا الرد الرسمي والتنويه الذي نشره القائمون على المهرجان في صفحتهم الخاصة في "فايسبوك" والذي جاء فيه: "أشارت بعض الزميلات والمشاهدين إلى أن التريلر يختزل المرأة في قدراتها الإنجابية، ونحن نعتقد أن هذا النقد كان من الممكن أن يكون صحيحاً إذا انتهى المشهد بإنجاب الطفل، ولكن ما حدث هو العكس تماماً في مجاز إخراج وإنتاج مهرجان. إننا نؤكد على أن للمرأة، من خلال هذا المجاز، القدرة على إنتاج وإبداع الأفكار والكتب والمهرجانات …إلخ. فإعطاء الحياة في فعل الإنجاب هو شيء نعتز به نحن النساء، لكنه لا يلخص وجودنا، فليس الأطفال هم الهدف الوحيد من أنشطتنا الإنتاجية".

هذا التنويه أعاد فتح النار بشراسة أكبر على الفيديو، إذ لم يُدرك صنّعه بأن المشكلة الكبرى هي في مجاز الولادة نفسه، ولادة أفكار أو مهرجان أو شياطين، "الولادة" في حد ذاتها.. الناشطة النسوية داليا عبد الحميد تعلق على الفيديو قائلة: "أزمة تريلر الفيلم أنه بالفعل خطاب بائد تماماً، ويمشي عكس نضالات طويلة خاضتها الحركة النسوية.. موضوع الدور الإنجابي للمرأة مسألة حساسة ويجب أن نتعامل معها بقدر كبير من الذكاء، النساء حاربوا حروباً مريرة لأجل أن يخرجوا من الفضاء الخاص لكي يراهم المجتمع أبعد من الدور الإنجابي، وفي الوقت نفسه كانت هناك حروب ضخمة لاحترام هذا الدور وعدم اعتباره عقبة، على سبيل المثال: النساء في كل العالم خاضوا معركة على إجازات الوضع مدفوعة الأجر وفي الدول التقدمية أجازة رعاية الطفل للأب والأم على حد سواء لا للأم فقط، وذلك لئلا يكون الانجاب عقبة في مستقبل المرأة المهني.. الأمومة (قد) تكون أحد أدوار المرأة، لكنه ليس دورها الوحيد بالطبع".

وتتابع داليا عبد الحميد في تأصيل الأزمة التي خلقها الفيديو، وما أثاره من قضايا شائكة في المسألة النسوية: "ليس من المعقول بعدما كافحت النساء حتى تخرج من سلطة الثنائية (الأمومة- الطفولة) يأتي مثل هذا الفيديو ليعيدها مرة أخرى، والمعنى أن التعامل مع المرأة على أنها "مهبل" مسألة إشكالية للغاية ومثيرة للجدل، كأني أقول لها أنجبي من مهبلك وأبدعي منه أيضا!".

القائمون على المهرجان اتهموا رافضي الفيديو، خصوصاً مَن كتبوا البيان الداعي الى إزالة الفيديو بأن هذه التحركات هي نوع من الوصاية وتقييد لحرية الإبداع، وهو ما جانبهم الصواب فيه، لأن الغاضبين لم يتحولوا إلى جهة ضغط، كما أنهم ليسوا سلطة في يدها قرار المنع، بل هو غضب مما يكرسه الفيديو – من دون قصد - من سلطة ذكورية ليأتي التنويه ليزيد من سوء ما يقدمه الشريط.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها