الأربعاء 2014/11/19

آخر تحديث: 16:22 (بيروت)

اللبناني دافيد خوري يبتكر رقاقة تشفير الاتصالات والرسائل الخلوية

الأربعاء 2014/11/19
اللبناني دافيد خوري يبتكر رقاقة تشفير الاتصالات والرسائل الخلوية
increase حجم الخط decrease

بواقعية، يتحدّث اللبناني دافيد خوري عن رقاقة تشفير اتصالات الخلوي، على عكس لهجة التضخيم والتفخيم والاصطناع أو الثقة الزائدة التي تنطق بها ألسنة مرّوجي التقنيّات المتطوّرة في الدول العربيّة. وتترافق تلك الواقعية مع نظرات متأنيّة متفحصّة، تتجه أحياناً إلى الطاولة التي تجمعه مع محدّثه، وفي أحيان أخرى تراقب فراغاً غير منظور، وكلام منطوق بحرص كافٍ، من دون إدّعاء زائد ولا تفاخر أجوف.

وترسم تلك الواقعية حول دافيد جوّاً من التردّد المشوّق المتمازج مع تواضع دافئ. ربما تأتي تلك الأشياء من التعامل مع التقنيّات بأسلوب علمي أصيل، أثناء السنوات الطويلة التي قضاها خوري مهندساً في المقر المركزي لشركة "إريكسون" Ericsson العالميّة في السويد. وربما أيضاً لأن ذلك العمل جاء عقب سنوات الدراسة الأكاديمية للهندسة الكهربائية التي امتدت بين بيروت وفرنسا، وتمحورت حول الصوت والاتصالات الهاتفيّة.

وفي سياق ذلك التردّد المشوّق، يقدّم دافيد رقاقة "سيكوموبي" Secumobie الإلكترونيّة للتشفير الفردي للاتصالات الخليويّة. وإذا جرى لفت انتباهه إلى التشابه بينها وبين تجربة شركة "بلاك بيري" Black Berry (من يذكر رواجها الهائل، قبل تضاؤلها المفاجئ؟)، لا ينفي ذلك الأمر، بل يعتبره مدخلاً لشرح مشروعه. إذ يستعيد خوري تجربة "بلاك بيري"، خصوصاً برنامجها "ب. ب. ماسينجر" B B Messenger لتشفير الاتصالات الفردية عبر الخليوي، ويظهر الفوارق بينها وبين تجربته.

وقبل الخوض في تفاصيل رقاقة "سيكوموبي"، يصل الحديث إلى تحدٍ يطرحه خوري على الممولين العرب، بأن يتبنّوا مشروع تلك الرقاقة. ويترك خوري المجال لتردّد مفكّر. إذ يسأل عن علاقة إحجام الممولين العرب عن تمويل مشروع تقني متقدّم، وضعف علاقة الثقافة العربيّة عموماً بالعلوم والتكنولوجيا. ويستطرد خوري ليفسح مجالاً أمام "الشك النافع"، بمعنى أنه يرجِع تردّد التمويل العربي إلى أجواء غير مواتية عربيّاً لتمويل مشاريع متقدّمة في التقنيّات، مقابل الاستثمار في مناحٍ أخرى من المعلوماتية والاتصالات. وسرعان ما ينتقل الحديث إلى ضفة معاكسة. إذ أن عوالم الاتصالات ليست منهمّة حاضراً بأي شيء قدر انهمامها بحماية المكالمات والاتصالات والمعلومات والبيانات، بل أشكال التواجد الشخصي للأفراد على شبكات الاتصالات كافة.

ومنذ فضيحة التجسّس الإلكتروني الشامل التي فجّرها خبير المعلوماتية الأميركي، إدوارد سنودن، صار الاهتمام بحماية الخصوصيّة الفردية في الاتصالاتن هاجساً أساسيّاً لدى الجمهور عموماً.

بابتسامة، يتذكّر خوري: "نعم. نعم. هاتف ميركل. كانت فضيحة عالميّة. في أوروبا، كان الأمر أشبه بقنبلة مدويّة، خصوصاً بعدما وصل الخلاف إلى مستوى الدولّة، بل كاد أن يتّخذ طابعاً شخصيّاً في علاقاتها بالرئيس باراك أوباما". ويتبع ذلك بحديث واسع عما قيل عن لجوء المستشارة الألمانية انغيلا ميركل إلى وضع رقاقة إلكترونيّة في هاتفها، كي تحميها من تنصّت "وكالة الأمن القومي" الأميركيّة. "لا أعرف إلى أي مدى يتمتّع هاتف ميركل بالحماية الآن، لكني أظن أنها محميّة فعليّاً إلى حدّ كبير، وأنا أتكلم عن المعطى التقني، وليس السياسي أو الاستخباراتي".

ويضيف: "سأكون واضحاً: الشركة التي اعتمدت عليها ميركل تصنع منتجاً يشبه رقاقة "سيكوموبي" التي أشرفتُ على هندستها وتكامل مكوّناتها. بقول آخر، تستطيع "سيكوموبي" أن تعطي الأفراد في الدول العربيّة حماية لاتصالاتهم الخليوية، وكذلك الحال بالنسبة للرسائل التي تمرّ في هواتفهم، خصوصاً الرسائل النصيّة القصيرة "إس إم إس" والنصوص التي يتبادلونها عبر "واتس آب". وفي فترة قريبة، ستمتد حماية "سيكوموبي" لتشمل الميديا المسموعة- المصوّرة، بما فيها المكالمات عبر كاميرا الويب وأشرطة الفيديو".

فكيف تعمل رقاقة "سيكوموبي"؟ وكيف تعطي أماناً للمكالمات والبيانات؟ لماذا يعتبرها خوري متفوّقة على "بلاك بيري"؟ ولماذا يرى أنها تتناسب كثيراً مع أوضاع الاتصالات في الدول العربيّة؟

بكلام مقتصد، يبيّن المهندس الجبيلي الأصل والمنشأ، أن الاستفادة من الحماية التي تعطيها رقاقة "سيكوموبي"، لا تشترط أن يرتبط مستخدمها بنوع محدّد من الهواتف. ففي تجربة "بلاك بيري"، كانت "بلاك بيري" تقدّم حماية للجمهور من مقتني ذلك الهاتف حصرياً، بمعنى أنها كانت تربطهم بشبكة داخليّة، معزولة عن بقية الاتصالات، ما يوفّر لهم غطاء من الحماية. وتتفوّق رقاقة "سيكوموبي" بأنها لا تفرض على من يستخدمها شراء نوع محدّد من الهواتف.

وبحماس تقني لمهندس اتصالات يشرف على مشروع كبير، يضيف خوري: "تعمل رقابة "سيكوموبي" مع الخليويات التي تستند إلى نظام "آندرويد" كلها، ما يعني أن تتعامل مع خليويات "سامسونغ" و"آتش تي سي" و"سوني" و"فاير" وغيرها. كل ما هو خارج "آي فون" و"بلاك بيري"، تغطّيه تلك الرقاقة. إنها معدّة كي توضع في الخليويات كافة. يكفي أن تسحب بطاقة "إس دي" المخصّصة لذاكرة التخزين، وتضعها مكانها، وهي تتضمّن مساحة تخزين تصل إلى أربعة غيغابايت".

ولا يتردّد خوري في توضيح الأمر الرئيسي الذي يميّز حماية "سيكوموبي": "تضع الرقاقة، عملية تشفير ("إنكربشين" Encryption) الاتصالات في أيدي الأفراد مباشرة. تحصل عملية التشفير داخل الخليوي نفسه، لأن الرقاقة هي التي تتولاها. الأبرز تقنيّاً، هو أنها تنجز عملية التشفير خلال الوقت الحي للاتصال نفسه. وفي كل مرّة، يحدث تشفير بأسلوب مختلف، ما يزيد في إحكام سريّة التشفير. أنت تتكلّم، والرقاقة تشفّر مباشرة. ثم ترسل تلك الشيفرة عبر حزم محميّة بمفاتيح معيّنة، إلى الشخص الذي تتحدّث معه. من الواضح أن المتلقي يجب أن تكون لديه أيضاً رقاقة "سيكوموبي" في هاتفه. لذا، من يريد أن يستفيد من تلك الحماية، يفترض أن يراسل من يهتم بالتواصل معهم، كي يشتروا الرقاقة أيضاً. هناك مُكوّنات أخرى للحماية. فمثلاً، عندما تشتري الرقاقة، تحصل على رقم سري، يصبح هو رقم الاتصالات المشفّرة التي تمر عبر المكالمات المحميّة. كذلك تنتج "سيكوموبي" مفاتيح للحزم التي تحمل الاتصال المشفّر، كي يعرفها المتلقي، وكذلك مفاتيح كي يتعرّف هاتفك على الاتصال الآتي ممن تتحدث معه. وفي كل اتصال، تتغيّر المفاتيح كلها".

وفي لفتة تقنيّة مهمّة، يعترف خوري بأن الأمر يحتاج إلى انتشار واسع كي يصبح عمليّاً ومنتجاً، ما يعني ضرورة أن تتبنى الرقاقة جهات تتفاعل مع جمهور واسع، كأن يكون الجيش (أليس أمراً ملحاً فعليّاً للجيش اللبناني في الظرف الراهن؟)، أو شركة مشغّلة للخليوي، أو هيئة تنظيم الاتصالات، أو شركة اتصالات خليويّة تعمل على المستوى العربي أو العالمي وغيرها.

فهل يلاقي مشروع دافيد خوري ورقاقة "سيكوموبي" من يعطيه اهتماماً وتمويلاً، كي يوفّر للأفراد في لبنان والدول العربيّة أماناً لاتصالاتهم؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها