الأربعاء 2024/03/27

آخر تحديث: 20:38 (بيروت)

معتز عزايزة… واضطراب ما بعد الصدمة

الأربعاء 2024/03/27
معتز عزايزة… واضطراب ما بعد الصدمة
increase حجم الخط decrease
يجهل كثيرون سبب النجومية التي حقّقها المصور والصحافي الفلسطيني، معتز عزايزة، منذ انطلاق الحرب الإسرائيلية على غزة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، و/أو يتجاهلونها. تحوّل عزايزة إلى شخصية عالمية، يتابعها الجمهور، تماماً كما يتابع مغنّي البوب ولاعبي كرة القدم ومشاهير مواقع التواصل الاجتماعي. 

على مدى 108 أيام، تحول معتز الى "أيقونة" للجمهور المتضامن مع فلسطين وغزة، سواء أكان عربياً أم أجنبياً. صنعت صوره ومقاطع الفيديو التي نشرها، علامة فارقة. تعاطف المتابعون مع كل "ستوري" شاركها، وحولوه رمزاً لتضحيات شباب غزة الذين دُمّرت أحلامهم، كما شوارع وبُنى القطاع. صباح الثلاثاء، 23 كانون الثاني/يناير المنصرم، انكسرت "قدسية معتز عزايزة" للمرة الأولى، مع إعلانه مغادرة القطاع محاطاً بزملائه "لأسباب كثيرة يعرفها الجمهور وأخرى يجهلها". 


رحيل عزايزة عن القطاع
مع انطلاق طائرة إجلاء عزايزة من مصر إلى العاصمة القطرية الدوحة، وإعلان زميلته هند الخضري اقتراب انتقاله إلى قناة National Geographic العالمية، انقسمت الآراء للمرة الأولى، بين من برّر رحيل عزايزة هرباً من آلة القتل الإسرائيلية، مقابل من اتهمه باستغلال غزة للوصول إلى القناة التي حلم بالعمل فيها منذ صغره. خرج الشاب الفلسطيني، بعدد متابعين فاق الـ18 مليوناً في تطبيق "إنستغرام" وحده، وهو ما لم يستوعبه لليوم، على ما يبدو. 

أمضى عزايزة أيامه الأولى ينعم بـ"سلام" العيش خارج الحرب. هو نفسه مَن نجا مراراً من القتل، إحداها بإطلاق نار مباشر عليه. لم تشغل باله بالتعليقات التي اتهمته باستغلال معاناة غزة، فالتضامن كان أكبر بكثير حينها، ليكتفي بالتعليق "سأخبر العالم دوماً عن غزة". 

انقلبت الآية. "ستوري" في "إنستغرام"، يحضن فيها عزايزة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ما قسم الرأي العام بشكل عمودي. حملات ممنهجة، واتهامات بالخيانة والتواطؤ… عزايزة يواجه حملات إلكترونية مدبّرة، ودعوات لمقاطعته، في موقف لم يختبره من قبل. هو نفسه، لم يفهم بعد تبعات العيش في ظلّ الشهرة وعيوبها. 

أسابيع مرّت على الصورة مع عباس. "الرئيس" الذي يتهمه خصومه بـ"التخاذل" و"الغياب عن معاناة الغزاويين" منذ قرابة الستة أشهر، كما يصفه مغردون. لم يبقَ عزايزة على صمته، على اعتبار أنّه مَن وثّق جرائم الاحتلال وعاش معاناة غزة، معاناة ما قبل وبعد 7 تشرين الأول. إلا أنّ خبرته المحدودة في التعامل مع هذه المواقف، أفقدته المزيد من  المحبين، أو المؤيدين، والأصح "المتعاطفين" معه. 

العقبات غير المدروسة 
"اللي ما بيفرق معه موت وجوع شعبه مش لازم يفرق معنا بأي شيء. ملعون كل من تاجر بدمنا وحرق قلوبنا وبيوتنا وخرب حياتنا". هي التغريدة الأبرز، التي أراد من خلالها التعبير عن رأيه كما هو، برفض سلطة "حماس" على القطاع واتهامها بتخريب حياة الغزاويين بعد هجوم السابع من أكتوبر. لا ندري إن كان معتز بالفعل مدركاً لتبعات هذه التغريدة، وكيف سيتلقف الجمهور ما اعتبره تحويلاً للبوصلة عن همجية الاحتلال، إلا أنّ مقطع الفيديو الذي خرج فيه لاحقاً ليتراجع عن تصريحه، معتبراً أنّه يضيء على قضية احتكار التجار للمواد الغذائية ورفع الأسعار في القطاع، يُضاف إلى سوء تقديره التعامل مع هذه المواقف.


ضحية أيضاً
معتز هو ضحية هذه الحرب أيضاً، على عكس ما روّجه كثيرون بأنّه من "مستغلي معاناة غزة". ضحية جمهور يريده أن يتمسك ويلتزم بما رسمه له، من دون التفكير بكسر القاعدة، ولو برأي. هذا الجمهور يمتلك قدرة على الانقلاب 180 درجة، بمجرّد مصادفة موقف لا ينال الرضى الكامل. هو ضحية "الشهرة المفاجئة" أيضاً. 

عزايزة اليوم حائر في كيفية التعامل مع هذه الشهرة وإدارتها. تارةً يريد أن يبقى "الانفلونسر" القريب - البعيد من غزة، وطوراً يبدو الصحافي الشاب المنهك من تنظير المغردين والناشطين الذين ينعمون بالسلام في بيوتهم، بعد أشهر من اختبار الموت في قطاع غزة. 

تنطبق اضطرابات ما بعد الصدمة على واقع معتز اليوم، ولعلّ أبرزها الأعراض الجسدية التي بات يعانيها أخيراً، وهو ما وثّقه عبر منشوراته في مواقع التواصل الاجتماعي. سيبقى معتز ذلك الشاب اليافع، الذي كسب شهرة لا تشبه سواها، ضريبتها الاتهام بالخذلان والتخوين والاستغلال… بعد تجربة الموت 108 مرات في أيامه الـ108 التي قضاها في كنف الإبادة التي ترتكبها اسرائيل في غزة، "خسرنا فيها كل شيء"، كما قال في إحدى منشوراته. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها